أما قوله تعالى : (
وقدمنا ) فقد استدلت المجسمة بقوله : (
وقدمنا ) لأن القدوم لا يصح إلا على الأجسام ، وجوابه أنه لما قامت الدلالة على امتناع القدوم عليه لأن القدوم حركة والموصوف بالحركة محدث ، ولذلك استدل
الخليل عليه السلام بأفول الكواكب على حدوثها ، وثبت أن الله عز وجل لا يجوز أن يكون محدثا ، فوجب تأويل لفظ القدوم ، وهو من وجوه :
أحدها : (
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ) أي : وقصدنا إلى أعمالهم ؛ فإن القادم إلى الشيء قاصد له ، فالقصد هو المؤثر في المقدوم إليه ، وأطلق المسبب على السبب مجازا .
وثانيها : المراد قدوم الملائكة إلى موضع الحساب في الآخرة ، ولما كانوا بأمره يقدمون ، جاز أن يقول : (
وقدمنا ) على سبيل التوسع ، ونظيره قوله : (
فلما آسفونا انتقمنا منهم ) [الزخرف : 55] .
وثالثها : (
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ) [النمل : 34] ، فلما أباد الله أعمالهم وأفسدها بالكلية صارت شبيهة بالمواضع التي يقدمها الملك فلا جرم قال ( وقدمنا ) .
أما قوله : (
إلى ما عملوا من عمل ) يعني الأعمال التي اعتقدوها برا وظنوا أنها تقربهم إلى الله تعالى ، والمعنى إلى ما عملوا من أي عمل كان .
أما قوله : (
فجعلناه هباء منثورا ) فالمراد أبطلناه وجعلناه بحيث لا يمكن الانتفاع به كالهباء المنثور الذي لا يمكن القبض عليه ، ونظيره قوله تعالى : (
كسراب بقيعة ) [النور : 39] (
كرماد اشتدت به الريح ) [إبراهيم : 18] (
كعصف مأكول ) [الفيل : 5] قال
أبو عبيدة والزجاج : الهباء مثل الغبار يدخل من الكوة مع ضوء الشمس . وقال
مقاتل : إنه الغبار الذي يستطير من حوافر الدواب .