صفحة جزء
الصفة الثانية لذلك اليوم : قوله : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) قال الزجاج : الحق صفة للملك ، وتقديره : الملك الحق يومئذ للرحمن ، ويجوز " الحق " بالنصب على تقدير أعني ، ولم يقرأ به ، ومعنى وصفه بكونه حقا أنه لا يزول ولا يتغير ، فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله : " يومئذ " ؟ قلنا : لأن في ذلك اليوم لا مالك سواه ، لا في الصورة ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه وتذل له الجبابرة ، بخلاف سائر الأيام ، واعلم أن هذه الآية دالة على فساد قول المعتزلة في أنه يجب على الله الثواب والعوض ؛ وذلك لأنه لو وجب لاستحق الذم بتركه ، فكان خائفا من أن لا يفعل ، فلم يكن ملكا مطلقا ، وأيضا فقوله : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) يفيد أنه ليس لغيره ملك ، وذلك لا يتم على قول المعتزلة ; لأن كل من استحق عليه شيئا فإنه يكون مالكا له ، ولا يكون هو سبحانه مالكا لذلك المستحق ; لأنه سبحانه إذا استحق على أحد شيئا أمكنه أن يعفو عنه ، أما غيره إذا استحق عليه شيئا فإنه لا يصح إبراؤه عنه ، فكانت العبودية ههنا أتم ، ولأن من كفر بالله إلى آخر عمره ثم في آخر عمره عرف الله لحظة ومات فهو سبحانه لو أعطاه ألف ألف [ ص: 66 ] سنة أنواع الثواب وأراد بعد ذلك أن لا يعطيه لحظة واحدة صار سفيها ، وهذا نهاية العبودية والذل ، فكيف يليق بمن هذا حاله أن يقال له : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) وأيضا فكل من فعل فعلا لو لم يفعله لكان مستوجبا للذم ، وكان بذلك الفعل مكتسبا للكمال وبتركه مكتسبا للنقصان ، فلم يكن ملكا بل فقيرا مستحقا ، فثبت أن قوله سبحانه : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) غير لائق بأصول المعتزلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية