أما قوله : (
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) فهو خبر عن قوم قالوا هذا القول .
[ ص: 92 ] ويحتمل أنهم جهلوا الله تعالى ، ويحتمل أنهم وإن عرفوه لكنهم جحدوه ، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به لكنهم جهلوا أن هذا الاسم من أسماء الله تعالى ، وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير قالوا :
الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ، والعرب ما عرفوه ، قال
مقاتل :
إن أبا جهل قال : إن الذي يقوله محمد شعر ، فقال عليه السلام : الشعر غير هذا ، إن هذا إلا كلام الرحمن . فقال أبو جهل : بخ بخ ، لعمري والله إنه لكلام الرحمن الذي باليمامة هو يعلمك . فقال عليه السلام : "الرحمن الذي هو إله السماء ومن عنده يأتيني الوحي" ، فقال : يا آل غالب ، من يعذرني من محمد ، يزعم أن الله واحد ، وهو يقول : الله يعلمني والرحمن ، ألستم تعلمون أنهما إلهان . ثم قال : ربكم الله الذي خلق هذه الأشياء ، أما الرحمن فهو مسيلمة . قال القاضي : والأقرب أن المراد إنكارهم لله ، لا للاسم ؛ لأن هذه اللفظة عربية ، وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام ، ثم إن قلنا بأنهم كانوا منكرين لله كان قولهم : (
وما الرحمن ) سؤال طالب عن الحقيقة ، وهو يجري مجرى قول
فرعون : (
وما رب العالمين ) [الشعراء : 23] ، وإن قلنا بأنهم كانوا مقرين بالله ، لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم (
وما الرحمن ) سؤالا عن الاسم .
أما قوله : (
أنسجد لما تأمرنا ) فالمعنى للذي تأمرنا بسجوده على قوله : أمرتك بالخير ، أو لأمرك لنا ، وقرئ : "يأمرنا " بالياء ، كأن بعضهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا
محمد ، أو يأمرنا المسمى بالرحمن ، ولا نعرف ما هو ، وزادهم أمره نفورا ، ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول . قال
الضحاك : فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي nindex.php?page=showalam&ids=5559وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة ، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين . فهذا هو المراد من قوله : (
تأمرنا وزادهم نفورا ) أي : فزادهم سجودهم نفورا .