أما قوله تعالى : (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : دلت الآية على أن
التوبة مقبولة ، والاستثناء لا يدل على ذلك ؛ لأنه أثبت أنه يضاعف له العذاب ضعفين ، فيكفي لصحة هذا الاستثناء أن لا يضاعف للتائب العذاب ضعفين ، وإنما الدال عليه قوله : (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) .
المسألة الثانية : نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال :
توبة القاتل غير مقبولة ، وزعم أن هذه الآية منسوخة بقوله
[ ص: 98 ] تعالى : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) [النساء : 93] وقالوا : نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة ، وعن
الضحاك ومقاتل بثمان سنين ، وقد تقدم الكلام في ذلك في سورة النساء .
المسألة الثالثة : فإن قيل : العمل الصالح يدخل فيه التوبة والإيمان ، فكان ذكرهما قبل ذكر العمل الصالح حشوا ، قلنا : أفردهما بالذكر لعلو شأنهما ، ولما كان لا بد معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح .
المسألة الرابعة : اختلفوا في المراد بقوله : (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) على وجوه :
أحدها : قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وقتادة : إن التبديل إنما يكون في الدنيا ، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيمانا ، وبقتل المؤمنين قتل المشركين ، وبالزنا عفة وإحصانا ، فكأنه تعالى يبشرهم بأنه يوفقهم لهذه الأعمال الصالحة فيستوجبوا بها الثواب .
وثانيها : قال
الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنة ، ولكن التأويل أن
السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يحبط الله عمله ويثبت عليه السيئات .
وثالثها : قال قوم : إن الله تعالى يمحو السيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة بحكم هذه الآية ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ومكحول ، ويحتجون بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013528ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات ، قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات وعلى هذا التبديل في الآخرة .
ورابعها : قال
القفال والقاضي : أنه تعالى يبدل العقاب بالثواب ، فذكرهما وأراد ما يستحق بهما ، وإذا حمل على ذلك كانت الإضافة إلى الله حقيقة ؛ لأن الإثابة لا تكون إلا من الله تعالى .