القصة الرابعة :
قصة هود عليه السلام [ ص: 135 ] (
كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .
قوله تعالى : (
كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .
اعلم أن فاتحة هذه القصة وفاتحة قصة
نوح عليه السلام واحدة فلا فائدة في إعادة التفسير ثم إنه تعالى ذكر الأمور التي تكلم فيها
هود عليه السلام معهم وهي ثلاثة :
فأولها : قوله : (
أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) قرئ " بكل ريع " بالكسر والفتح وهو المكان المرتفع ، ومنه قوله : كم ريع أرضك ؟ وهو ارتفاعها ، والآية العلم ، ثم فيه وجوه :
أحدها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم كانوا يبنون بكل ريع علما يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى
هود عليه السلام .
والثاني : أنهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم تفاخرا فنهوا عنه ونسبوا إلى العبث .
والثالث : أنهم كانوا ممن يهتدون بالنجوم في أسفارهم فاتخذوا في طريقهم أعلاما طوالا فكان ذلك عبثا لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم .
الرابع : بنوا بكل ريع بروج الحمام .
وثانيها : قوله : (
وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) المصانع مآخذ الماء ، وقيل القصور المشيدة والحصون (
لعلكم تخلدون ) ترجون الخلد في الدنيا أو يشبه حالكم حال من يخلد ، وفي مصحف
أبي : " كأنكم " ، وقرئ " تخلدون " بضم التاء مخففا ومشددا ، واعلم أن الأول إنما صار مذموما لدلالته إما على السرف ، أو على الخيلاء .
والثاني : إنما صار مذموما لدلالته على الأمل الطويل والغفلة عن أن الدنيا دار ممر لا دار مقر .
وثالثها : قوله : (
وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) بين أنهم مع ذلك السرف والحرص فإن معاملتهم مع غيرهم معاملة الجبارين ، وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذا الوصف في العباد ذم وإن كان في وصف الله تعالى مدحا فكأن من يقدم على الغير لا على طريق الحق ولكن على طريق الاستعلاء يوصف بأن بطشه بطش جبار ، وحاصل الأمر في هذه الأمور الثلاثة أن اتخاذ الأبنية العالية ، يدل على حب العلو ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو ، فيرجع الحاصل إلى أنهم أحبوا العلو وبقاء العلو والتفرد بالعلو . وهذه صفات الإلهية ، وهي ممتنعة الحصول للعبد ، فدل ذلك على أن حب الدنيا قد استولى عليهم بحيث استغرقوا فيه
[ ص: 136 ] وخرجوا عن حد العبودية وحاموا حول ادعاء الربوبية ، وكل ذلك ينبه على أن
حب الدنيا رأس كل خطيئة وعنوان كل كفر ومعصية ، ثم لما ذكر
هود عليه السلام هذه الأشياء قال : (
فاتقوا الله وأطيعون ) زيادة في دعائهم إلى الآخرة وزجرا لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والحرص والتجبر ، ثم وصل بهذا الوعظ ما يؤكد القبول وهو التنبيه على نعم الله تعالى عليهم بالإجمال أولا ثم التفصيل ثانيا فأيقظهم عن سنة غفلتهم عنها حيث قال : (
أمدكم بما تعلمون ) ثم فصلها من بعد بقوله : (
أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) فبلغ في دعائهم بالوعظ والترغيب والتخويف والبيان النهاية فكان جوابهم (
سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ) أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه ، واستخفافهم بما أورده فإن قيل : لو قال : أوعظت أم لم تعظ كان أخصر والمعنى واحد .
جوابه : ليس المعنى بواحد ؛ لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلا من أهله ومباشرته ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك أم لم تعظ ، ثم احتجوا على قلة اكتراثهم بكلامه بقولهم : (
إن هذا إلا خلق الأولين ) فمن قرأ (? خلق الأولين ) بالفتح فمعناه أن ما جئت به اختلاق الأولين ، وتخرصهم كما قالوا : (
أساطير الأولين ) [ الأنعام : 25 ] أو ما خلقنا هذا إلا خلق القرون الخالية نحيا كحياتهم ونموت كمماتهم ولا بعث ولا حساب ، ومن قرأ " خلق " بضمتين وبواحدة ، فمعناه ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين ، وعادتهم كانوا به يدينون ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة لم يزل عليها الناس في قديم الدهر ، أو ما هذا الذي جئت به من الكذب إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله ويسطرونه ، ثم قالوا : (
وما نحن بمعذبين ) أظهروا بذلك تقوية نفوسهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد ، فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم ، وقد سبق شرح كيفية الهلاك في سائر السور . والله أعلم .