أما قوله تعالى : (
فتبسم ضاحكا من قولها ) يعني تبسم شارعا في الضحك ، يعني أنه قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك ، وإنما ضحك لأمرين :
أحدهما : إعجابه بما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى ، وذلك قولها : (
وهم لا يشعرون ) .
والثاني : سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا من سماعه لكلام النملة وإحاطته بمعناه .
[ ص: 162 ] أما قوله تعالى : (
رب أوزعني ) فقال صاحب " الكشاف " : حقيقة أوزعني : اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأكفه عن أن ينقلب عني ، حتى أكون شاكرا لك أبدا ، وهذا يدل على مذهبنا فإن عند
المعتزلة كل ما أمكن فعله من الألطاف فقد صارت مفعولة وطلب تحصيل الحاصل عبث .
وأما قوله تعالى : (
وعلى والدي ) فذلك لأنه عد نعم الله تعالى على والديه نعمة عليه . ومعنى قوله : (
وأن أعمل صالحا ترضاه ) طلب الإعانة في الشكر وفي العمل الصالح ، ثم قال : (
وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) فلما طلب في الدنيا الإعانة على الخيرات طلب أن يجعل في الآخرة من الصالحين ، وقوله : (
برحمتك ) يدل على أن
دخول الجنة برحمته وفضله لا باستحقاق من جانب العبد واعلم أن
سليمان عليه السلام طلب ما يكون وسيلة إلى ثواب الآخرة أولا ثم طلب ثواب الآخرة ثانيا ، أما وسيلة الثواب فهي أمران :
أحدهما :
شكر النعمة السالفة .
والثاني : الاشتغال بسائر أنواع الخدمة .
أما الاشتغال بشكر النعمة السالفة ، فهي قوله تعالى : (
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ) ولما كان الإنعام على الآباء إنعاما على الأبناء لأن انتساب الابن إلى أب شريف نعمة من الله تعالى على الابن ، لا جرم اشتغل بشكر نعم الله على الآباء بقوله : (
وعلى والدي ) وأما الاشتغال بسائر أنواع الخدمة ، فقوله : (
وأن أعمل صالحا ترضاه ) وأما طلب ثواب الآخرة فقوله : (
وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) فإن قيل
درجات الأنبياء أعظم من درجات الأولياء والصالحين ، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين فقال
يوسف : (
توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ] وقال
سليمان : (
وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) ؟ جوابه : الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله تعالى ولا يهم بمعصية وهذه درجة عالية ، والله أعلم .