النوع الثالث : ما يتعلق باحتياج الخلق إليه سبحانه
(
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون )
وهو قوله تعالى : (
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ) .
اعلم أنه سبحانه نبه في هذه الآية على أمرين :
أحدهما : قوله : (
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) قال صاحب "الكشاف" : الضرورة الحالة المحوجة إلى الالتجاء ، والاضطرار افتعال منها ، يقال : اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر ، واعلم أن المضطر هو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى
التضرع إلى الله تعالى ، وعن
السدي : الذي لا حول له ولا قوة ، وقيل : المذنب إذا استغفر ، فإن قيل : قد عم المضطرين بقوله : (
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) وكم من مضطر يدعو فلا يجاب ؟ جوابه : قد بينا في أصول الفقه أن المفرد المعرف لا يفيد العموم ، وإنما يفيد الماهية فقط ، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدقه ثبوته في فرد واحد من أفراد الماهية ، وأيضا فإنه تعالى وعد بالاستجابة ، ولم يذكر أنه يستجيب في الحال ، وتمام القول في شرائط الدعاء والإجابة مذكور في قوله تعالى : (
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ( غافر : 60 ) فأما قوله تعالى : (
ويكشف السوء ) فهو كالتفسير للاستجابة ، فإنه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى ، ومرض إلى صحة ، وضيق إلى سعة ، إلا القادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا ينازع .
وثانيهما : قوله : (
ويجعلكم خلفاء الأرض ) فالمراد : توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن ، وأراد بالخلافة الملك والتسلط ، وقرئ ( يذكرون ) بالياء مع الإدغام ، وبالتاء مع الإدغام ، وبالحذف ؛ وما مزيدة أي يذكرون تذكرا قليلا ، والمعنى : نفي التذكر والقلة تستعمل في معنى النفي .