(
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )
قوله تعالى : (
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )
اعلم أن هذا هو
العلامة الثانية لقيام القيامة .
أما قوله : (
ويوم ينفخ في الصور ) ففيه وجوه :
أحدها : أنه شيء شبيه بالقرن ، وأن إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه بإذن الله تعالى ، فإذا سمع الناس ذلك الصوت ، وهو في الشدة بحيث لا تحتمله طبائعهم يفزعون عنده ويصعقون ويموتون ، وهو كقوله تعالى : (
فإذا نقر في الناقور ) ( المدثر : 8 ) وهذا قول الأكثرين .
وثانيها : يجوز أن يكون تمثيلا لدعاء الموت فإن خروجهم من قبورهم كخروج الجيش عند سماع صوت الآلة .
وثالثها : أن الصور جمع الصورة ، وجعلوا النفخ فيها نفخ الروح ، والأول أقرب لدلالة الظاهر عليه ، ولا مانع يمنع منه .
أما قوله : (
ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) فاعلم أنه إنما قال : ( ففزع ) ، ولم يقل : فيفزع للإشعار بتحقيق الفزع وثبوته ، وأنه كائن لا محالة ؛ لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به ، والمراد فزعهم عند النفخة الأولى .
[ ص: 189 ] أما قوله : (
إلا من شاء الله ) فالمراد إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة ، قالوا : هم
جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وملك الموت ، وقيل : الشهداء ، وعن
الضحاك : الحور ، وخزنة النار ، وحملة العرش . وعن
جابر موسى منهم ؛ لأنه صعق مرة ، ومثله قوله تعالى : (
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ( الزمر : 68 ) وليس فيه خبر مقطوع ، والكتاب إنما يدل على الجملة .
أما قوله : (
وكل أتوه داخرين ) فقرئ ( أتوه ) و ( أتاه ) ودخرين وداخرين ، فالجمع على المعنى ، والتوحيد على اللفظ ، والداخر والدخر : الصاغر ، وقيل : معنى الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمر الله وانقيادهم له .