أما قوله تعالى : (
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) فقوله (
على استحياء ) في موضع الحال أي مستحيية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : قد استترت بكم قميصها ، وقيل : ماشية على بعد ، مائلة عن الرجال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16372عبد العزيز بن أبي حازم : على إجلال له ، ومنهم من يقف على قوله : (
تمشي ) ثم يبتدئ ، فيقول : (
على استحياء ) قالت : (
إن أبي يدعوك ) يعني أنها على الاستحياء قالت هذا القول ؛ لأن
الكريم إذا دعا غيره إلى الضيافة يستحيي ، لا سيما المرأة وفي ذلك دلالة على أن
شعيبا لم يكن له معين سواهما . وروي أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس ، قال لهما : ما أعجلكما ، قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي .
أما الاختلاف في أن ذلك الشيخ كان
شعيبا عليه السلام أو غيره فقد تقدم ، والأكثرون على أنه
شعيب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق في البنتين : اسم الكبرى
صفورا ، والصغرى
ليا . وقال غيره :
صفرا وصفيرا ، وقال
الضحاك :
صافورا ، والتي جاءت إلى
موسى عليه السلام هي الكبرى على قول الأكثرين . وقال
الكلبي : الصغرى ، وليس في القرآن دلالة على شيء من هذه التفاصيل .
أما قوله : (
قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ففيه إشكالات :
أحدها : كيف ساغ
لموسى عليه السلام أن يعمل بقول امرأة ، وأن يمشي معها وهي أجنبية ، فإن ذلك يورث التهمة العظيمة ، وقال عليه السلام : "
اتقوا مواضع التهم " ؟
وثانيها : أنه سقى أغنامهما تقربا إلى الله تعالى ، فكيف يليق به أخذ الأجرة عليه ، فإن ذلك غير جائز في المروءة ، ولا في الشريعة ؟
وثالثها : أنه عرف فقرهن وفقر أبيهن وعجزهم ، وأنه عليه السلام كان في نهاية القوة بحيث كان يمكنه الكسب الكثير بأقل سعي ، فكيف يليق بمروءة مثله طلب الأجرة على ذلك القدر من السقي من الشيخ الفقير والمرأة الفقيرة ؟
ورابعها : كيف يليق
بشعيب النبي عليه السلام أن يبعث ابنته الشابة إلى رجل شاب قبل العلم بكون ذلك الرجل عفيفا أو فاسقا ؟
والجواب عن الأول أن نقول : أما العمل بقول امرأة ، فكما نعمل بقول الواحد حرا كان أو عبدا ذكرا كان أو أنثى في الأخبار ، وما كانت إلا مخبرة عن أبيها ، وأما المشي مع المرأة فلا بأس به مع الاحتياط والتورع .
والجواب عن الثاني : أن المرأة وإن قالت ذلك ، فلعل موسى عليه السلام ما ذهب إليهم طلبا للأجرة ، بل للتبرك برؤية ذلك الشيخ . وروي أنها لما قالت ليجزيك ، كره ذلك ، ولما قدم إليه الطعام امتنع ، وقال : إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بدنيانا ، ولا نأخذ على المعروف ثمنا ، حتى قال
شعيب عليه السلام : هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا ، وأيضا فليس بمنكر أن الجوع قد بلغ إلى حيث ما كان يطيق تحمله ، فقبل ذلك على سبيل الاضطرار ، وهذا هو الجواب عن الثالث ، فإن الضرورات تبيح المحظورات .
والجواب عن الرابع : لعله عليه السلام كان قد علم بالوحي طهارتها وبراءتها ، فكان يعتمد عليها .
أما قوله : (
فلما جاءه ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فقام يمشي والجارية أمامه ، فهبت الريح فكشفت عنها ، فقال
موسى عليه السلام : إني من عنصر
إبراهيم عليه السلام ، فكوني من خلفي حتى لا ترفع الريح ثيابك ، فأرى ما لا يحل لي ، فلما دخل على
شعيب ، فإذا الطعام موضوع ، فقال
شعيب : تناول يا فتى ، فقال
موسى عليه السلام : أعوذ بالله . قال
شعيب : ولم ؟ قال : لأنا من أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا ،
[ ص: 207 ] فقال
شعيب : ولكن عادتي وعادة آبائي إطعام الضيف ، فجلس
موسى عليه السلام فأكل ، وإنما كره أكل الطعام خشية أن يكون ذلك أجرة له على عمله ، ولم يكره ذلك مع
الخضر حين قال : (
لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) والفرق : أن أخذ الأجر على الصدقة لا يجوز ، أما الاستئجار ابتداء فغير مكروه .
أما قوله : (
وقص عليه القصص ) فالقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص ، قال
الضحاك : لما دخل عليه ، قال له : من أنت يا عبد الله ، فقال : أنا
موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، وذكر له جميع أمره من لدن ولادته ، وأمر القوابل ، والمراضع ، والقذف في اليم ، وقتل القبطي ، وأنهم يطلبونه ليقتلوه . فقال
شعيب : (
لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) أي لا سلطان له بأرضنا فلسنا في مملكته ، وليس في الآية دلالة على أنه قال ذلك عن الوحي أو على ما تقتضيه العادة . فإن قيل : المفسرون قالوا : إن فرعون يوم ركب خلف
موسى عليه السلام ركب في ألف ألف وستمائة ألف ، فالملك الذي هذا شأنه ، كيف يعقل أن لا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام من دار مملكته ؟ قلنا : هذا وإن كان نادرا إلا أنه ليس بمحال .