(
إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون )
[ ص: 40 ] ثم قال تعالى (
إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ) .
ذكر بطلان مذهبهم بأبلغ الوجوه ، وذلك لأن المعبود إنما يعبد لأحد أمور ، إما لكونه مستحقا للعبادة بذاته كالعبد يخدم سيده الذي اشتراه سواء أطعمه من الجوع أو منعه من الهجوع ، وإما لكونه نافعا في الحال كمن يخدم غيره لخير يوصله إليه كالمستخدم بأجرة ، وإما لكونه نافعا في المستقبل كمن يخدم غيره متوقعا منه أمرا في المستقبل ، وإما لكونه خائفا منه ، فقال
إبراهيم : (
إنما تعبدون من دون الله أوثانا ) إشارة إلى أنها
لا تستحق العبادة لذاتها لكونها أوثانا لا شرف لها .
قوله تعالى : (
إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) .
إشارة إلى عدم المنفعة في الحال وفي المآل ، وهذا لأن النفع ، إما في الوجود وإما في البقاء ، لكن ليس منهم نفع في الوجود ، لأن وجودهم منكم حيث تخلقونها وتنحتونها ، ولا نفع في البقاء لأن ذلك بالرزق ، وليس منهم ذلك ، ثم بين أن ذلك كله حاصل من الله فقال : (
فابتغوا عند الله الرزق ) فقوله : (
الله ) إشارة إلى استحقاق عبوديته لذاته وقوله : (
الرزق ) إشارة إلى حصول النفع منه عاجلا وآجلا وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال : (
لا يملكون لكم رزقا ) نكرة ، وقال : (
فابتغوا عند الله الرزق ) معرفا فما الفائدة ؟ فنقول قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال : (
لا يملكون لكم رزقا ) نكرة في معرض النفي أي لا رزق عندهم أصلا ، وقال : معرفة عند الإثبات عند الله أي كل الرزق عنده فاطلبوه منه ، وفيه وجه آخر وهو أن
الرزق من الله معروف بقوله : (
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) (هود : 6 ) والرزق من الأوثان غير معلوم فقال : (
لا يملكون لكم رزقا ) لعدم حصول العلم به وقال : (
فابتغوا عند الله الرزق ) الموعود به ، ثم قال : (
واعبدوه ) أي اعبدوه لكونه مستحقا للعبادة لذاته واشكروا له أي لكونه سابق النعم بالخلق وواصلها بالرزق (
إليه ترجعون ) أي اعبدوه لكونه مرجعا منه يتوقع الخير لا غير .