[ ص: 45 ] (
والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم )
ثم قال تعالى : (
والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم )
لما بين الأصلين التوحيد والإعادة وقررهما بالبرهان وهدد من خالفه على سبيل التفصيل فقال : (
والذين كفروا بآيات الله ولقائه ) إشارة إلى الكفار بالله ، فإن
لله في كل شيء آية دالة على وحدانيته ، فإذا أشرك كفر بآيات الله ، وإشارة إلى المنكر للحشر فإن من أنكره كفر بلقاء الله فقال : (
أولئك يئسوا من رحمتي ) لما أشركوا أخرجوا أنفسهم عن محل الرحمة لأن من يكون له جهة واحدة تدفع حاجته لا غير يرحم ، وإذا كان له جهات متعددة لا يبقي محلا للرحمة ، فإذا جعلوا لهم آلهة لم يعترفوا بالحاجة إلى طريق متعين فييأسوا من رحمة الله ، ولما أنكروا الحشر وقالوا : لا عذاب فناسب تعذيبهم تحقيقا للأمر عليهم ، وهذا كما أن الملك إذا قال أعذب من يخالفني فأنكره بعيد عنه وقال هو لا يصل إلي ، فإذا أحضر بين يديه يحسن منه أن يعذبه ، ويقول هل قدرت وهل عذبت أم لا ؟ فإذن تبين أن عدم الرحمة يناسب الإشراك ، والعذاب الأليم يناسب إنكار الحشر . ثم إن في الآية فوائد :
إحداها : قوله : (
أولئك يئسوا ) حتى يكون منبئا عن حصر الناس فيهم وقال أيضا (
وأولئك لهم عذاب أليم ) لذلك ، ولو قال : أولئك الذين كفروا بآيات الله ولقائه يئسوا من رحمتي ولهم عذاب أليم ، ما كان يحصل هذه الفائدة ، فإن قال قائل : لو اكتفى بقوله (
أولئك ) مرة واحدة كان يكفي في إفادة ما ذكر ، ثم قلنا لا وذلك لأنه لو قال أولئك يئسوا ولهم عذاب ، كان يذهب وهم أحد إلى أن هذا المجموع منحصر فيهم ، فلا يوجد المجموع إلا فيهم ولكن واحدا منهما وحده يمكن أن يوجد في غيرهم ، فإذا قال أولئك يئسوا وأولئك لهم عذاب أفاد أن كل واحد لا يوجد إلا فيهم .
الثانية : عند ذكر الرحمة أضافها إلى نفسه فقال رحمتي وعند العذاب لم يضفه لسبق رحمته ، وإعلاما لعباده بعمومها لهم ولزومها له .
الثالثة : أضاف اليأس إليهم بقوله : (
أولئك يئسوا ) فحرمها عليهم ولو طمعوا لأباحها لهم ، فلو قال قائل : ما ذكرت من مقابلة الأمرين وهما : اليأس والعذاب ، بأمرين وهما : الكفر بالآيات ، والكفر باللقاء ، يقتضي أن لا يكون العذاب الأليم لمن كفر بالله واعترف بالحشر ، أو لا يكون اليأس لمن كفر بالحشر وآمن بالله ، فنقول : معنى الآية أنهم يئسوا ولهم عذاب أليم زائد بسبب كفرهم بالحشر ، ولا شك أن
التعذيب بسبب الكفر بالحشر لا يكون إلا للكافر بالحشر ، وأما الآخر فالكافر بالحشر لا يكون مؤمنا بالله ؛ لأن الإيمان به لا يصح إلا إذا صدقه فيما قاله ، والحشر من جملة ذلك .