(
فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم )
ثم قال تعالى : (
فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي ) أي إلى حيث أمرني بالتوجه إليه (
إنه هو العزيز الحكيم ) عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعزته ، وحكيم لا يأمرني إلا بما يوافق لكمال حكمته ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
فآمن له لوط ) أي : بعدما رأى منه المعجز القاهر ،
ودرجة لوط كانت عالية ، وبقاؤه إلى هذا الوقت مما ينقص من الدرجة ألا ترى أن
أبا بكر لما قبل دين
محمد -صلى الله عليه وسلم- وكان نير القلب قبله قبل الكل من غير سماع تكلم الحصى ولا رؤية انشقاق القمر ، فنقول إن
لوطا لما رأى معجزته آمن برسالته ، وأما بالوحدانية فآمن حيث سمع حسن مقالته ، وإليه أشار بقوله : (
فآمن له لوط ) وما قال فآمن
لوط .
المسألة الثانية : ما تعلق قوله : (
وقال إني مهاجر إلى ربي ) بما تقدم ؟ فنقول
لما بالغ إبراهيم في الإرشاد ولم يهتد قومه ، وحصل اليأس الكلي حيث رأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت المهاجرة، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسدة لأنه إن دام على الإرشاد كان اشتغالا بما لا ينتفع به مع علمه ، فيصير كمن يقول للحجر صدق ، وهو عبث ، أو يسكت والسكوت دليل الرضا فيقال بأنه صار منا ورضي بأفعالنا ، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة .
المسألة الثالثة : قال : (
مهاجر إلى ربي ) ولم يقل مهاجر إلى حيث أمرني ربي مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة ، فنقول قوله : (
مهاجر ) إلى حيث أمرني ربي ليس في الإخلاص كقوله : (
إلى ربي ) لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى الموضع الفلاني ، ثم إن واحدا منهم سافر إليه لغرض [ في ] نفسه يصيبه فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصا لوجهه فقال : (
مهاجر إلى ربي ) يعني توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلبا للجهة إنما هو طلب لله .