[ ص: 68 ] (
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون )
قال تعالى : (
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون )
ثم قال تعالى : (
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) هذه درجة أخرى بعد ما تقدم على الترتيب ، وذلك لأن المجادل إذا ذكر مسألة مختلفا فيها كقول القائل : الزكاة تجب في مال الصغير ، فإذا قيل له لم ؟ فيقول كما تجب النفقة في ماله ، ولا يذكر أولا الجامع بينهما ، فإن قنع الطالب بمجرد التشبيه وأدرك من نفسه الجامع فذاك ، وإن لم يدرك أو لم يقنع يبدي الجامع ، فيقول كلاهما مال فضل عن الحاجة فيجب فكذلك ههنا ذكر أولا التمثيل بقوله : (
وكذلك أنزلنا إليك ) ثم ذكر الجامع وهو المعجزة ، فقال : ما علم كون تلك الكتب منزلة إلا بالمعجزة ، وهذا
القرآن ممن لم يكتب ولم يقرأ عين المعجزة ، فيعرف كونه منزلا ، وقوله تعالى : (
إذا لارتاب المبطلون ) فيه معنى لطيف ، وهو أن النبي إذا كان قارئا كاتبا ما كان يوجب كون هذا الكلام كلامه ، فإن جميع كتبة الأرض وقرائها لا يقدرون عليه ، لكن على ذلك التقدير يكون للمبطل وجه ارتياب ، وعلى ما هو عليه لا وجه لارتيابه فهو أدخل في الإبطال ، وهذا كقوله تعالى : (
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) [ البقرة : 23 ] أي من مثل
محمد - عليه السلام - وكقوله : (
الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ البقرة : 1- 2 ] .
ثم قال تعالى : (
بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) قوله في صدور الذين أوتوا العلم إشارة إلى أنه ليس من مخترعات الآدميين ; لأن من يكون له كلام مخترع يقول هذا من قلبي وخاطري ، وإذا حفظه من غيره يقول إنه في قلبي وصدري ، فإذا قال : (
في صدور الذين أوتوا العلم ) لا يكون من صدر أحد منهم ، والجاهل يستحيل منه ذلك ، فلا ظهور له من الصدور ويلتحقون عند هذه الأمة بالمشركين ، فظهوره من الله .
ثم قال تعالى : (
وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) قال ههنا الظالمون ، ومن قبل قال الكافرون ، مع أن الكافر ظالم ولا تنافي بين الكلامين وفيه فائدة ، وهي أنهم قبل بيان المعجزة قيل لهم إن لكم المزايا فلا تبطلوها بإنكار
محمد فتكونوا كافرين ، فلفظ الكافر هناك كان بليغا يمنعهم من ذلك لاستنكافهم عن الكفر ، ثم بعد بيان المعجزة قال لهم إن جحدتم هذه الآية لزمكم إنكار إرسال الرسل فتلتحقون في أول الأمر بالمشركين حكما ، وتلتحقون عند هذه الآية بالمشركين حقيقة فتكونوا ظالمين ، أي مشركين ، كما بينا أن
الشرك ظلم عظيم ، فهذا اللفظ ههنا أبلغ ، وذلك اللفظ هناك أبلغ .