(
ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )
ثم قال تعالى : (
ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )
لما بين
دلائل الأنفس ذكر
دلائل الآفاق ، وأظهرها خلق السماوات والأرض ، فإن بعض الكفار يقول في خلق البشر وغيره من المركبات إنه بسبب ما في العناصر من الكيفيات وما في السماوات من الحركات ، وما فيها من الاتصالات ، فإذا قيل له : فالسماء والأرض لم تكن لامتزاج العناصر واتصالات الكواكب ، فلا يجد بدا من أن يقول ذلك بقدرة الله وإرادته ، ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف الذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم ، وصغر حجم خدودهم وقدودهم لا يشتبه بغيره , والسماوات مع كبرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة .
والثاني : اختلاف كلامهم فإن عربيين هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر حتى أن من يكون محجوبا عنهما لا يبصرهما يقول هذا صوت فلان وهذا صوت فلان الآخر ، وفيه حكمة بالغة ; وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ؛ ليحترز قبل وصول العدو إليه ، وليقبل على الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه ، وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور ، وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات ، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع بها التمييز ، ومن الناس من قال : المراد اختلاف اللغة كالعربية والفارسية والرومية وغيرها ، والأول أصح ، ثم قال تعالى : (
لآيات للعالمين ) لما كان خلق السماوات والأرض لم يحتمل الاحتمالات البعيدة التي يقولها أصحاب الطبائع واختلاف الألوان كذلك واختلاف الأصوات كذلك قال : (
للعالمين ) لعموم العلم بذلك .