(
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون )
ثم قال [ تعالى : (
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون )
قوله ] تعالى : (
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ) قد تقدم تفسيره في العنكبوت ، بقي بيان فائدة الخطاب هاهنا في قوله : (
فتمتعوا ) وعدمه هناك في قوله : (
وليتمتعوا فسوف يعلمون ) فنقول لما كان الضر المذكور هناك ضرا واحدا جاز أن لا يكون في ذلك الموضع من المخلصين من ذلك الضر أحد ، فلم يخاطب ، ولما كان المذكور هاهنا مطلق الضر
ولا يخلو موضع من المخلصين عن الضر ، فالحاضر يصح خطابه بأنه منهم فخاطب .
ثم قال تعالى : (
أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ) لما سبق قوله تعالى : (
بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم ) [ الروم : 29 ] أي
المشركون يقولون ما لا علم لهم به ، بل هم عالمون بخلافه فإنهم وقت الضر يرجعون إلى الله ، حقق ذلك بالاستفهام بمعنى الإنكار ، أي ما أنزلنا بما يقولون سلطانا ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أم للاستفهام ولا يقع إلا متوسطا ، كما قال قائلهم :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا آأنت أم أم سالم
[ ص: 108 ] فما الاستفهام الذي قبله ؟ فنقول : تقديره إذا ظهرت هذه الحجج على عنادهم فماذا نقول ، أهم يتبعون الأهواء من غير علم ؟ أم لهم دليل على ما يقولون ؟ وليس الثاني فيتعين الأول .
المسألة الثانية : قوله : (
فهو يتكلم ) مجاز كما يقال إن كتابه لينطق بكذا ، وفيه معنى لطيف وهو أن
المتكلم من غير دليل كأنه لا كلام له ; لأن الكلام هو المسموع ، وما لا يقبل فكأنه لم يسمع ، فكأن المتكلم لم يتكلم به ، وما لا دليل عليه لا يقبل ، فإذا جاز سلب الكلام عن المتكلم عند عدم الدليل وحسن جاز إثبات التكلم للدليل وحسن .