(
قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين )
ثم قال تعالى : (
قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين )
لما بين حالهم بظهور الفساد في أحوالهم بسبب فساد أقوالهم بين لهم هلاك أمثالهم وأشكالهم الذين
[ ص: 113 ] كانت أفعالهم كأفعالهم فقال : (
قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ) أي قوم
نوح وعاد وثمود ، وهذا ترتيب في غاية الحسن ؛ وذلك لأنه في وقت الامتنان والإحسان قال : (
الله الذي خلقكم ثم رزقكم ) أي آتاكم الوجود ثم البقاء ، ووقت الخذلان بالطغيان قال : (
ظهر الفساد في البر والبحر ) أي قلل رزقكم ، ثم قال تعالى : (
سيروا في الأرض ) أي هو أعدمكم كما أعدم من قبلكم ، فكأنه قال أعطاكم الوجود والبقاء ، ويسلب منكم الوجود والبقاء ، وأما سلب البقاء فبإظهار الفساد ، وأما سلب الوجود فبالإهلاك ، وعند الإعطاء قدم الوجود على البقاء ; لأن الوجود أولا ثم البقاء ، وعند السلب قدم البقاء ، وهو الاستمرار ثم الوجود .
وقوله : (
كان أكثرهم مشركين ) يحتمل وجوها ثلاثة :
أحدها : أن
الهلاك في الأكثر كان بسبب الشرك الظاهر وإن كان بغيره أيضا كالإهلاك بالفسق والمخالفة كما كان على أصحاب السبت .
الثاني : أن كل كافر أهلك لم يكن مشركا بل منهم من كان معطلا نافيا لكنهم قليلون ، وأكثر الكفار مشركون .
الثالث : أن
العذاب العاجل لم يختص بالمشركين حين أتى ، كما قال تعالى : (
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) [ الأنفال : 25 ] بل كان على الصغار والمجانين ، ولكن أكثرهم كانوا مشركين .