(
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )
[ ص: 115 ] ثم قال تعالى : (
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )
قوله تعالى : (
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) لما ذكر أن ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه بسبب العمل الصالح ، لما ذكرنا غير مرة أن
الكريم لا يذكر لإحسانه عوضا ، ويذكر لأضراره سببا ؛ لئلا يتوهم به الظلم فقال : (
يرسل الرياح مبشرات ) قيل بالمطر كما قال تعالى : (
بشرا بين يدي رحمته ) [ الأعراف : 57 ] أي قبل المطر ، ويمكن أن يقال مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال ، فإن الرياح لو لم تهب لظهر الوباء والفساد .
ثم قال تعالى : (
وليذيقكم من رحمته ) عطف على ما ذكرنا ، أي ليبشركم بصلاح الهواء وصحة الأبدان (
وليذيقكم من رحمته ) بالمطر ، وقد ذكرنا أن الإذاقة تقال في القليل ، ولما كان أمر الدنيا قليلا ، وراحتها نزر قال : (
وليذيقكم ) ، وأما في الآخرة فيرزقهم ويوسع عليهم ويديم لهم . (
ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله : (
بأمره ) أي الفعل ظاهرا عليه ولكنه بأمر الله ، ولذلك لما قال : (
ولتبتغوا ) مسندا إلى العباد ذكر بعده : (
من فضله ) أي لا استقلال لشيء بشيء وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الترتيب فنقول :
في الرياح فوائد ، منها إصلاح الهواء ، ومنها إثارة السحاب ، ومنها جريان الفلك بها فقال : (
مبشرات ) بإصلاح الهواء ، فإن إصلاح الهواء يوجد من نفس الهبوب ثم الأمطار بعده ، ثم جريان الفلك فإنه موقوف على اختبار من الآدمي بإصلاح السفن وإلقائها على البحر ، ثم ابتغاء الفضل بركوبها .
المسألة الثانية : قال في قوله تعالى : (
ظهر الفساد ) . . . . . . (
ليذيقهم بعض الذي عملوا ) [ الروم : 41 ] وقال هاهنا (
وليذيقكم من رحمته ) فخاطب هاهنا تشريفا ، ولأن رحمته قريب من المحسنين ، فالمحسن قريب فيخاطب والمسيء بعيد فلم يخاطبهم ، وأيضا قال هناك (
بعض الذي عملوا ) وقال هاهنا (
من رحمته ) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم ، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته وفيه معنيان :
أحدهما : ما ذكرنا أن الكريم لا يذكر لإحسانه ورحمته عوضا ، وإن وجد فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا ، بل يقول هذا لك مني . وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي .
وثانيهما : أن ما يكون بسبب فعل العبد قليل ، فلو قال أرسلت الرياح بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال : (
من رحمته ) كان غاية البشارة ، ومعنى ثالث وهو أنه لو قال بما فعلتم لكان ذلك موهما لنقصان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم ينبئ عن نقصان عقابهم وهو كذلك .
المسألة الثالثة : قال هناك (
لعلهم يرجعون ) [ الروم : 41] وقال هاهنا : (
ولعلكم تشكرون ) قالوا وإشارة إلى أن توفيقهم للشكر من النعم فعطف على النعم .
المسألة الرابعة : إنما أخر هذه الآية ; لأن في الآيات التي قد سبق ذكرها قلنا إنه ذكر من كل باب آيتين ، فذكر من المنذرات : (
يريكم البرق ) [ الرعد : 12] والحادث في الجو في أكثر الأمر نار وريح فذكر الرياح هاهنا تذكيرا وتقريرا للدلائل ، ولما كانت الريح فيها فائدة غير المطر ، وليس في البرق فائدة إن لم يكن مطر ذكر
[ ص: 116 ] هناك خوفا وطمعا ، أي قد يكون وقد لا يكون وذكر هاهنا : (
مبشرات ) ; لأن تعديل الهواء أو تصفيته بالريح أمر لازم ، وحكمه به حكم جازم .