(
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )
ثم قال تعالى : (
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )
لما أعاد من الدلائل التي مضت دليلا من دلائل الآفاق وهو قوله : (
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ) وذكر أحوال الريح من أوله إلى آخره أعاد دليلا من دلائل الأنفس وهو
خلق الآدمي ، وذكر أحواله ، فقال : (
خلقكم من ضعف ) أي مبناكم على الضعف كما قال تعالى : (
خلق الإنسان من عجل ) [ الأنبياء : 37 ] ومن هاهنا كما تكون في قول القائل : فلان زين فلانا من فقره وجعله غنيا ، أي من حالة فقره ، ثم قال تعالى : (
ثم جعل من بعد ضعف قوة ) فقوله (
من ضعف ) إشارة إلى حالة كان فيها جنينا وطفلا مولودا ورضيعا ومفطوما ، فهذه أحوال غاية الضعف ، وقوله : (
ثم جعل من بعد ضعف قوة ) إشارة إلى حالة بلوغه وانتقاله وشبابه واكتهاله ، وقوله : (
ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) .
إشارة إلى ما يكون بعد الكهولة من ظهور النقصان ، والشيبة هي تمام الضعف ، ثم بين بقوله : (
يخلق ما يشاء ) أن هذا ليس طبعا بل هو بمشيئة الله تعالى ، كما قال تعالى في دلائل الآفاق : (
فيبسطه في السماء كيف يشاء ) (
وهو العليم القدير ) لما قدم العلم على القدرة وقال من قبل : (
وهو العزيز الحكيم ) فالعزة إشارة إلى تمام القدرة ، والحكمة إلى العلم ، فقدم القدرة هناك وقدم العلم على القدرة هاهنا ، فنقول : هناك المذكور الإعادة بقوله : (
وهو أهون عليه ) [ الروم : 27] ، (
وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) [ الروم : 27 ] ; لأن الإعادة تكون بكن فيكون ، فالقدرة هناك أظهر وهاهنا المذكور الإبداء وهو أطوار وأحوال ، والعلم بكل حال حاصل ، فالعلم هاهنا أظهر ، ثم إن قوله تعالى : (
وهو العليم القدير ) تبشير وإنذار ; لأنه إذا كان عالما بأعمال الخلق كان عالما بأحوال المخلوقات ، فإن عملوا خيرا علمه وإن عملوا شرا علمه ، ثم إذا كان قادرا فإذا علم الخير أثاب وإذا علم الشر عاقب ، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللذين هما بالقدرة قدم العلم ، وأما في الآخرة فالعلم بتلك الأحوال مع العقاب فقال : (
وهو العليم الحكيم ) وإلى مثل هذا أشار في قوله : (
فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 14 ] عقيب خلق الإنسان ، فنقول :
[ ص: 120 ] أحسن إشارة إلى العلم ; لأن حسن الخلق بالعلم ، والخلق المفهوم من قوله : (
الخالقين ) إشارة إلى القدرة ، ثم لما بين ذكر الإبداء - والإعادة كالإبداء - ذكره بذكر أحوالها وأوقاتها .