(
يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )
قوله تعالى : (
يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )
لما منعه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته ، أمره بما يلزمه من التوحيد وهو الصلاة وهي
العبادة لوجه الله مخلصا ، وبهذا يعلم أن
الصلاة كانت في سائر الملل ، غير أن هيئتها اختلفت .
ثم قال تعالى : (
وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) أي
إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك ، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم ، فإن قال قائل : كيف قدم في وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر ، وقبل قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فإنه أول ما قال (
يابني لا تشرك ) ثم قال : (
يابني أقم الصلاة ) ؟ فنقول : هو كان يعلم من ابنه أنه معترف بوجود الله فما أمره بهذا المعروف ونهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف ، فإن المشرك بالله لا يكون نافيا لله في الاعتقاد ، وإن كان يلزمه نفيه بالدليل ، فكان كل معروف في مقابلته منكر ، والمعروف في
[ ص: 131 ] معرفة الله اعتقاد وجوده ، والمنكر اعتقاد وجود غيره معه ، فلم يأمره بذلك المعروف لحصوله ، ونهاه عن المنكر لأنه ورد في التفسير أن ابنه كان مشركا فوعظه ولم يزل يعظه حتى أسلم ، وأما ههنا فأمر أمرا مطلقا ، والمعروف مقدم على المنكر .
ثم قال تعالى : (
واصبر على ما أصابك ) يعني أن
من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى ؛ فأمره بالصبر عليه ، وقوله : (
إن ذلك من عزم الأمور ) أي من الأمور الواجبة المعزومة ، أي المقطوعة ، ويكون المصدر بمعنى المفعول ، كما تقول أكلي في النهار رغيف خبز ، أي مأكولي .