[ ص: 145 ] سورة السجدة
وتسمى سورة المضاجع ، مكية عند أكثرهم
وهي تسع وعشرون آية ، وقيل ثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون )
(
الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين )
لما ذكر الله تعالى في السورة المتقدمة دليل الوحدانية ، وذكر الأصل ، وهو الحشر ، وختم السورة بهما ، بدأ ببيان الرسالة في هذه السورة فقال : (
الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه ) وقد علم ما في قوله : (
الم ) ، وفي قوله : (
لا ريب فيه ) من سورة البقرة وغيرها ، غير أن ههنا قال : (
من رب العالمين ) وقال من قبل : (
هدى ورحمة للمحسنين ) [ لقمان : 3 ] وقال في البقرة : (
هدى للمتقين ) وذلك ؛ لأن من يرى كتابا عند غيره ، فأول ما تصير النفس طالبة تطلب ما في الكتاب ، فيقول : ما هذا الكتاب ؟ فإذا قيل هذا فقه أو تفسير فيقول بعد ذلك : تصنيف من هو ؟ ولا يقال أولا : هذا الكتاب تصنيف من ؟ ثم يقول فيماذا هو ؟ إذا علم هذا فقال أولا : هذا الكتاب هدى ورحمة ، ثم قال ههنا : هو كتاب الله تعالى ، وذكره بلفظ رب العالمين ، لأن كتاب من يكون رب العالمين يكون فيه عجائب العالمين ، فتدعو النفس إلى مطالعته .
ثم قال تعالى : (
أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون )
يعني أتعترفون به أم تقولون هو مفترى ، ثم أجاب وبين أن الحق أنه حق من ربه ، ثم بين
فائدة التنزيل وهو الإنذار ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف قال : (
لتنذر قوما ما أتاهم من نذير ) مع أن النذر سبقوه .
الجواب : من وجهين . أحدهما : معقول والآخر منقول .
أما المنقول فهو أن
قريشا كانت أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم وهو
[ ص: 146 ] بعيد ، فإنهم كانوا من أولاد
إبراهيم ، وجميع أنبياء
بني إسرائيل من أولاد أعمامهم ، وكيف كان الله يترك قوما من وقت
آدم إلى زمان
محمد بلا دين ولا شرع ؟ وإن كنت تقول : بأنهم ما جاءهم رسول بخصوصهم ، يعني ذلك القرن فلم يكن ذلك مختصا بالعرب ، بل أهل الكتاب أيضا لم يكن ذلك القرن قد أتاهم رسول ، وإنما أتى الرسل آباءهم ، وكذلك العرب أتى الرسل آباءهم كيف والذي عليه الأكثرون أن آباء
محمد عليه الصلاة والسلام كانوا كفارا ، ولأن النبي أوعدهم وأوعد آباءهم بالعذاب ، وقال تعالى : (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] .
وأما المعقول وهو أن الله تعالى أجرى عادته على أن أهل عصر إذا ضلوا بالكلية ولم يبق فيهم من يهديهم ، يلطف بعباده ويرسل رسولا ، ثم إنه إذا أراد طهرهم بإزالة الشرك والكفر من قلوبهم وإن أراد طهر وجه الأرض بإهلاكهم ، ثم أهل العصر ضلوا بعد الرسل ، فلم يأتهم رسول قبل
محمد عليه الصلاة والسلام فقال : (
لتنذر قوما ما أتاهم ) أي بعد الضلال الذي كان بعد الهداية لم يأتهم نذير .
المسألة الثانية : لو قال قائل : التخصيص بالذكر يدل على نفي ما عداه فقوله : (
لتنذر قوما ما أتاهم ) يوجب أن يكون إنذاره مختصا بمن لم يأته نذير ، لكن أهل الكتاب قد أتاهم نذير ، فلا يكون الكتاب منزلا إلى الرسول لينذر أهل الكتاب ، فلا يكون رسولا إليهم . نقول : هذا فاسد من وجوه .
أحدها : أن
التخصيص لا يوجب نفي ما عداه .
والثاني : أنه وإن قال به قائل لكنه وافق غيره في أن التخصيص إن كان له سبب غير نفي ما عداه لا يوجب نفي ما عداه ، وهاهنا وجد ذلك ؛ لأن إنذارهم كان أولى ، ألا ترى أنه تعالى قال : (
وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] ولم يفهم منه أنه لا ينذر غيرهم أو لم يؤمر بإنذار غيرهم ، وإنذار المشركين كان أولى ، لأن إنذارهم كان بالتوحيد والحشر ، وأهل الكتاب لم ينذروا إلا بسبب إنكارهم الرسالة فكانوا أولى بالذكر ، فوقع التخصيص لأجل ذلك .
الثالث : هو أن على ما ذكرنا لا يرد ما ذكره أصلا ; لأن أهل الكتاب كانوا قد ضلوا ولم يأتهم نذير من قبل
محمد بعد ضلالهم فلزم أن يكون مرسلا إلى الكل على درجة سواء ، وبهذا يتبين حسن ما اخترناه ، وقوله : (
لعلهم يهتدون ) يعني تنذرهم راجيا أنت اهتداءهم .