(
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين )
[ ص: 163 ] (
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون )
ثم قال تعالى : (
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين )
قوله تعالى : (
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن
الضر والنفع بيد الله ، والجرز الأرض اليابسة التي لا نبات فيها ، والجرز هو القطع ، وكأنها المقطوع عنها الماء والنبات . ثم
قال تعالى : ( فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ) قدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه .
أحدها : أن الزرع أول ما ينبت يصلح للدواب ولا يصلح للإنسان .
والثاني : وهو أن الزرع غذاء الدواب وهو لا بد منه ، وأما غذاء الإنسان فقد يحصل من الحيوان ، فكأن الحيوان يأكل الزرع ، ثم الإنسان يأكل من الحيوان .
الثالث : إشارة إلى أن
الأكل من ذوات الدواب ، والإنسان يأكل بحيوانيته أو بما فيه من القوة العقلية فكماله بالعبادة .
ثم قال تعالى : (
أفلا يبصرون ) لأن الأمر يرى بخلاف حال الماضين ، فإنها كانت مسموعة ، ثم لما بين الرسالة والتوحيد بين الحشر بقوله تعالى : (
ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) إلى آخر السورة ، فصار ترتيب آخر السورة كترتيب أولها حيث ذكر الرسالة في أولها بقوله : (
لتنذر قوما ) وفي آخرها بقوله : (
ولقد آتينا موسى الكتاب ) وذكر التوحيد بقوله : (
الذي خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] وقوله : (
الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) وفي آخر السورة ذكره بقوله : (
أولم يهد لهم ) وقوله : (
أولم يروا أنا نسوق ) وذكر الحشر في أولها بقوله : (
وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ) وفي آخرها بقوله : (
ويقولون متى هذا الفتح ) .
قوله تعالى : (
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ) أي لا يقبل إيمانهم في تلك الحالة ; لأن
الإيمان المقبول هو الذي يكون في دار الدنيا . (
ولا هم ينظرون ) أي لا يمهلون بالإعادة إلى الدنيا ليؤمنوا فيقبل إيمانهم ، ثم لما بين المسائل وأتقن الدلائل ولم ينفعهم . قال تعالى : (
فأعرض عنهم ) أي لا تناظرهم بعد ذلك وإنما الطريق بعد هذا القتال .
وقوله : (
وانتظر إنهم منتظرون ) يحتمل وجوها .
أحدها : وانتظر هلاكهم فإنهم ينتظرون هلاكك ، وعلى هذا فرق بين الانتظارين ، لأن انتظار النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى بعد وعده ، وانتظارهم بتسويل أنفسهم والتعويل على الشيطان .
وثانيها : وانتظر
النصر من الله فإنهم ينتظرون النصر من آلهتهم وفرق بين الانتظارين .
وثالثها : وانتظر عذابهم بنفسك فإنهم ينتظرونه بلفظهم استهزاء ، كما قالوا : (
فأتنا بما تعدنا ) [ الأعراف : 70 ] وقالوا : (
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) [ يونس : 48 ] إلى غير ذلك ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيد المرسلين
محمد النبي وآله وصحبه أجمعين ، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين .