[ ص: 166 ] (
واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )
وقوله تعالى : (
واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )
يقرر ما ذكرنا من أنه حكيم فاتباعه هو الواجب ، ثم قال تعالى : (
إن الله كان بما تعملون خبيرا ) لما قال : إنه عليم بما في قلوب العباد بين أنه عالم خبير بأعمالكم فسووا قلوبكم وأصلحوا أعمالكم .
ثم قال تعالى : (
وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) يعني
اتق الله وإن توهمت من أحد فتوكل على الله فإنه كفى به دافعا ينفع ولا يضر معه شيء وإن ضر لا ينفع معه شيء .
ثم قال تعالى : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال بعض المفسرين : الآية نزلت في
أبي معمر كان يقول : لي قلبان أعلم وأفهم بأحدهما أكثر مما يفهم
محمد ، فرد الله عليه بقوله : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قوله : (
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) أي ما جعل لرجل قلبين كما لم يجعل لرجل أمين ولا لابن أبوين ، وكلاهما ضعيف بل الحق أن يقال : إن الله لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله : (
ياأيها النبي اتق الله ) فكان ذلك أمرا له بتقوى لا يكون فوقها تقوى ، ومن يتقي ويخاف شيئا خوفا شديدا لا يدخل في قلبه شيء آخر ، ألا ترى أن الخائف الشديد الخوف ينسى مهماته حالة الخوف ، فكأن الله تعالى قال : يا أيها النبي اتق الله حق تقاته ، ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله ; فإن
المرء ليس له قلبان حتى يتقي بأحدهما الله وبالآخر غيره ، فإن اتقى غيره فلا يكون ذلك إلا بصرف القلب عن جهة الله إلى غيره ، وذلك لا يليق بالمتقي الذي يدعي أنه يتقي الله حق تقاته .
ثم ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي أن يتقي أحدا ولا مثل ما اتقيت في حكاية
زينب زوجة
زيد حيث قال الله تعالى : (
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ الأحزاب : 37 ] يعني : مثل تلك التقوى لا ينبغي أن تدخل في قلبك . ثم لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بتلك الحالة ذكر ما يدفع عنه السوء ، فقال : (
وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) أي
وما جعل الله دعي المرء ابنه ، ثم قدم عليه ما هو دليل قوي على اندفاع القبح وهو قوله : (
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) أي إنكم إذا قلتم لأزواجكم : أنت علي كظهر أمي فلا تصير هي أما بإجماع الكل . أما في الإسلام فلأنه ظهار لا يحرم الوطء ، وأما في الجاهلية فلأنه كان طلاقا حتى كان يجوز للزوج أن يتزوج بها من جديد ، فإذا كان قول القائل لزوجته : أنت أمي أو كظهر أمي لا يوجب صيرورة الزوجة أما كذلك قول القائل للدعي : أنت أبي لا يوجب كونه ابنا فلا تصير زوجته زوجة الابن ، فلم
[ ص: 167 ] يكن لأحد أن يقول في ذلك شيئا فلم يكن خوفك من الناس له وجه ، كيف ولو كان أمرا مخوفا ما كان يجوز أن تخاف غير الله أو ليس لك قلبان وقلبك مشغول بتقوى الله فما كان ينبغي أن تخاف أحدا .
ثم قال تعالى : (
ذلكم قولكم بأفواهكم ) فيه لطيفة وهو أن الكلام المعتبر على قسمين .
أحدهما : كلام يكون عن شيء كان فيقال .
والثاني : كلام يقال فيكون كما قيل . والأول كلام الصادقين الذين يقولون ما يكون ، والآخر كلام الصديقين الذين إذا قالوا شيئا جعله الله كما قالوه . وكلاهما صادر عن قلب ، والكلام الذي يكون بالفم فحسب هو مثل نهيق الحمار أو نباح الكلب ; لأن الكلام المعتبر هو الذي يعتمد عليه والذي لا يكون عن قلب وروية لا اعتماد عليه ، والله تعالى لما كرم ابن آدم وفضله على سائر الحيوانات ينبغي أن يحترز من التخلق بأخلاقها .
فقول القائل : هذا ابن فلان مع أنه ليس ابنه ليس كلاما فإن الكلام في الفؤاد وهذا في الفم لا غير . واللطيفة هي أن الله تعالى ههنا قال : (
ذلكم قولكم بأفواهكم ) وقال في قوله : (
وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم ) [ التوبة : 30 ] يعني نسبة الشخص إلى غير الأب قول لا حقيقة له ولا يخرج من قلب ولا يدخل أيضا في قلب فهو قول بالفم مثل أصوات البهائم .
ثم قال تعالى : (
والله يقول الحق ) إشارة إلى معنى لطيف وهو أن العاقل ينبغي أن يكون قوله إما عن عقل أو عن شرع ، فإذا قال : فلان ابن فلان ينبغي أن يكون عن حقيقة أو يكون عن شرع بأن يكون ابنه شرعا ، وإن لم يعلم الحقيقة كمن
تزوج بامرأة فولدت لستة أشهر ولدا وكانت الزوجة من قبل زوجة شخص آخر يحتمل أن يكون الولد منه ، فإنا نلحقه بالزوج الثاني لقيام الفراش ، ونقول : إنه ابنه ، وفي الدعي لم توجد الحقيقة ولا ورد الشرع به لأنه لا يقول إلا الحق وهذا خلاف الحق ; لأن أباه مشهور ظاهر .
ووجه آخر فيه وهو أنهم قالوا هذه
زوجة الابن فتحرم ، وقال الله تعالى : هي لك حلال ، وقولهم لا اعتبار به فإنه بأفواههم كأصوات البهائم ، وقول الله حق فيجب اتباعه . وقوله : (
وهو يهدي السبيل ) يؤكد قوله : (
والله يقول الحق ) يعني يجب اتباعه لكونه حقا ولكونه هاديا .
وقوله تعالى : (
ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق ) فيه لطيفة ، وهو أن الكلام الذي بالفم فحسب يشبه صوت البهائم الذي يوجد لا عن قلب ، ثم إن الكلام الذي بالقلب قد يكون حقا وقد يكون باطلا ; لأن من يقول شيئا عن اعتقاد قد يكون مطابقا فيكون حقا ، وقد لا يكون فيكون باطلا ، فالقول الذي بالقلب - وهو المعتبر من أقوالكم - قد يكون حقا ، وقد يكون باطلا لأنه يتبع الوجود ، وقول الله حق لأنه يتبعه الوجود فإنه يقول عما كان أو يقول فيكون ، فإذن قول الله خير من أقوالكم التي عن قلوبكم ، فكيف تكون نسبته إلى أقوالكم التي بأفواهكم ؟ ! فإذن لا يجوز أن تأخذوا بقولكم الكاذب اللاغي وتتركوا قول الله الحق ، فمن يقول : بأن تزوج النبي عليه الصلاة والسلام
بزينب لم يكن حسنا يكون قد ترك قول الله الحق وأخذ بقول خرج عن الفم .
ثم قال تعالى : (
وهو يهدي السبيل ) إشارة إلى أن
اتباع ما أنزل الله خير من الأخذ بقول الغير .