(
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما )
[ ص: 168 ] ثم بين الهداية وقال : (
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما )
قوله تعالى : (
ادعوهم لآبائهم ) أرشد وقال : (
هو أقسط عند الله ) أي أعدل ، فإنه وضع الشيء في موضعه ، وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ترك الإضافة للعموم ، أي أعدل كل كلام كقول القائل : الله أكبر .
وثانيهما : أن يكون ما تقدم منويا كأنه قال : ذلك أقسط من قولكم هو ابن فلان ، ثم تمم الإرشاد وقال : (
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) يعني قولوا لهم : إخواننا وأخو فلان ، فإن كانوا محررين فقولوا : مولى فلان .
ثم قال تعالى : (
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) يعني قول القائل لغيره : يا بني بطريق الشفقة ، وقول القائل لغيره : يا أبي بطريق التعظيم ، فإنه مثل الخطأ ، ألا ترى أن اللغو في اليمين مثل الخطأ وسبق اللسان ، فكذلك سبق اللسان في قول القائل : ابني ، والسهو في قوله ابني من غير قصد إلى إثبات النسب سواء . وقوله : (
ولكن ما تعمدت قلوبكم ) مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما سبق وهو الجناح ، يعني ما تعمدت قلوبكم فيه جناح .
(
وكان الله غفورا رحيما ) يغفر الذنوب ويرحم المذنب ، وقد ذكرنا كلاما شافيا في المغفرة والرحمة في مواضع ، ونعيد بعضها ههنا فنقول :
المغفرة هو أن يسترد القادر القبيح الصادر ممن تحت قدرته حتى إن العبد إذا ستر عيب سيده مخافة عقابه لا يقال إنه غفر له ،
والرحمة هو أن يميل إليه بالإحسان لعجز المرحوم إليه لا لعوض ، فإن من مال إلى إنسان قادر كالسلطان لا يقال رحمه ، وكذا من أحسن إلى غيره رجاء في خيره أو عوضا عما صدر منه آنفا من الإحسان لا يقال رحمه ، إذا علم هذا فالمغفرة إذا ذكرت قبل الرحمة يكون معناها أنه ستر عيبه ثم رآه مفلسا عاجزا فرحمه وأعطاه ما كفاه ، وإذا ذكرت المغفرة بعد الرحمة وهو قليل يكون معناها أنه مال إليه لعجزه فترك عقابه ولم يقتصر عليه بل ستر ذنوبه .