(
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا )
ثم قال تعالى : (
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا )
لما لم يوجب الله على نبيه القسم وأمره بتخييرهن فاخترن الله ورسوله ذكر لهن ما جازاهن به من
تحريم غيرهن على النبي عليه السلام ومنعه من طلاقهن بقوله : (
ولا أن تبدل بهن ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
لا يحل لك النساء من بعد ) قال المفسرون : من بعدهن ، والأولى أن يقال : لا يحل لك النساء من بعد اختيارهن الله ورسوله ورضاهن بما يؤتيهن من الوصل والهجران والنقص والحرمان .
المسألة الثانية : قوله : (
ولا أن تبدل بهن ) يفيد حرمة طلاقهن إذ لو كان جائزا لجاز أن يطلق الكل ، وبعدهن إما أن يتزوج بغيرهن أو لا يتزوج فإن لم يتزوج يدخل في زمرة العزاب ، والنكاح فضيلة لا يتركها النبي ، وكيف وهو يقول : “
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012307النكاح سنتي “ وإن تزوج بغيرهن يكون قد تبدل بهن وهو ممنوع من التبدل .
[ ص: 192 ] المسألة الثالثة : من المفسرين من قال بأن الآية ليس فيها تحريم غيرهن ولا المنع من طلاقهن ، بل المعنى أن لا يحل لك النساء غير اللاتي ذكرنا لك من المؤمنات المهاجرات من بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ، وأما غيرهن من الكتابيات فلا يحل لك التزوج بهن . وقوله : (
ولا أن تبدل بهن ) منع من شغل الجاهلية فإنهم كانوا يبادلون زوجة بزوجة فينزل أحدهم عن زوجته ويأخذ زوجة صديقه ويعطيه زوجته ، وعلى التفسيرين وقع خلاف في مسألتين إحداهما : حرمة طلاق زوجاته . والثانية : حرمة تزوجه بالكتابيات فمن فسر على الأول حرم الطلاق ، ومن فسر على الثاني حرم
التزوج بالكتابيات .
المسألة الرابعة : قوله : (
ولو أعجبك حسنهن ) أي حسن النساء قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قوله : (
ولو أعجبك ) في معنى الحال ، ولا يجوز أن يكون ذو الحال قوله : (
من أزواج ) لغاية التنكير فيه ، ولكون ذي الحال لا يحسن أن يكون نكرة فإذن هو النبي عليه السلام ، يعني لا يحل لك النساء ولا أن تبدل بهن من أزواج وأنت معجب بحسنهن .
المسألة الخامسة : ظاهر هذا ناسخ لما كان قد ثبت له عليه السلام من أنه إذا رأى واحدة فوقعت في قلبه موقعا كانت تحرم على الزوج ويجب عليه طلاقها ، وهذه المسألة حكمية وهي أن النبي عليه السلام وسائر الأنبياء في أول النبوة تشتد عليهم برحاء الوحي ، ثم يستأنسون به فينزل عليهم وهم يتحدثون مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع ، ففي أول الأمر أحل الله من وقع في قلبه تفريغا لقلبه وتوسيعا لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير الله ، ثم لما استأنس بالوحي وبمن على لسانه الوحي نسخ ذلك ، إما لقوته عليه السلام للجمع بين الأمرين ، وإما أنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوف من أمور الدنيا ، فلم يبق له التفات إلى غير الله ، فلم يبق له حاجة إلى إحلال التزوج بمن وقع بصره عليها .
المسألة السادسة : اختلف العلماء في أن
تحريم النساء عليه هل نسخ أم لا ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : نسخ ، وقد قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013582ما مات النبي إلا وأحل له النساء ، وعلى هذا فالناسخ قوله تعالى : (
ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ) إلى أن قال : (
وبنات عمك ) وقال : (
وامرأة مؤمنة ) على قول من يقول لا يجوز
نسخ الكتاب بخبر الواحد إذ الناسخ غير متواتر إن كان خبرا .
ثم قال تعالى : (
إلا ما ملكت يمينك ) لم يحرم عليه المملوكات لأن الإيذاء لا يحصل بالمملوكة ; ولهذا لم يجز للرجل أن يجمع بين ضرتين في بيت لحصول التسوية بينهما وإمكان المخاصمة ، ويجوز أن يجمع الزوجة وجمعا من المملوكات لعدم التساوي بينهن ; ولهذا لا قسم لهن على أحد .
ثم قال تعالى : (
وكان الله على كل شيء رقيبا ) أي حافظا عالما بكل شيء قادرا عليه ، لأن الحفظ لا يحصل إلا بهما .