(
ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما )
ثم قال تعالى : (
ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ) .
أي حملها الإنسان ليقع
تعذيب المنافق والمشرك ، فإن قال قائل : لم قدم التعذيب على التوبة ؟ نقول : لما سمى التكليف أمانة ، والأمانة من حكمها اللازم أن الخائن يضمن وليس من حكمها اللازم أن الأمين الباذل جهده يستفيد أجرة ؛ فكان التعذيب على الخيانة كاللازم ، والأجر على الحفظ إحسان ، والعدل قبل الإحسان . وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
لم عطف المشرك على المنافق ، ولم يعد اسمه تعالى فلم يقل : ويعذب الله المشركين وعند التوبة أعاد اسمه وقال : ويتوب الله ، ولو قال : ويتوب على المؤمنين كان المعنى حاصلا ؟ نقول : أراد تفضيل المؤمن على المنافق ، فجعله كالكلام المستأنف ويجب هناك ذلك الفاعل فقال : (
ويتوب الله ) ويحقق هذا قراءة من قرأ (ويتوب الله) بالرفع .
[ ص: 205 ]
المسألة الثانية :
ذكر الله في الإنسان وصفين : الظلوم والجهول وذكر من أوصافه وصفين فقال : (
وكان الله غفورا رحيما ) أي كان غفورا للظلوم ورحيما على الجهول ، وذلك لأن الله تعالى وعد عباده بأنه يغفر الظلم جميعا إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك كما قال تعالى : (
إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] وأما الوعد فقوله تعالى : (
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] وأما الرحمة على الجهل فلأن الجهل محل الرحمة ولذلك يعتذر المسيء بقوله : ما علمت .
وههنا لطيفة : وهي أن الله تعالى أعلم عبده بأنه غفور رحيم ، وبصره بنفسه فرآه ظلوما جهولا ثم عرض عليه الأمانة فقبلها مع ظلمه وجهله لعلمه فيما يجبرها من الغفران والرحمة ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد النبي الأمي وآله .