[ ص: 88 ] (
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
قوله تعالى (
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
قراءة العامة اثنتا عشرة بسكون الشين على التخفيف ، وقراءة
أبي جعفر بكسر الشين ، وعن بعضهم بفتح الشين ، والوجه هو الأول لأنه أخف وعليه أكثر القراء . واعلم أن هذا هو الإنعام التاسع
من الإنعامات المعدودة على بني إسرائيل ، وهو جامع لنعم الدنيا والدين ، أما في الدنيا فلأنه تعالى أزال عنهم الحاجة الشديدة إلى الماء ولولاه لهلكوا في التيه ، كما لولا إنزاله المن والسلوى لهلكوا ، فقد قال تعالى : (
وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ) [الأنبياء : 8] وقال : (
وجعلنا من الماء كل شيء حي ) [الأنبياء : 30] بل
الإنعام بالماء في التيه أعظم من الإنعام بالماء المعتاد لأن الإنسان إذا اشتدت حاجته إلى الماء في المفازة وقد انسدت عليه أبواب الرجاء لكونه في مكان لا ماء فيه ولا نبات ، فإذا رزقه الله الماء من حجر ضرب بالعصا فانشق واستقى منه علم أن هذه النعمة لا يكاد يعدلها شيء من النعم ، وأما كونه من نعم الدين فلأنه من أظهر الدلائل على وجود الصانع وقدرته وعلمه ومن أصدق الدلائل على صدق
موسى عليه السلام ، وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : جمهور المفسرين أجمعوا على أن هذا الاستسقاء كان في التيه ؛ لأن الله تعالى لما ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وجعل ثيابهم بحيث لا تبلى ولا تتسخ خافوا العطش فأعطاهم الله الماء من ذلك الحجر ، وأنكر
أبو مسلم حمل هذه المعجزة على أيام مسيرهم إلى التيه فقال : بل هو كلام مفرد بذاته ،
ومعنى الاستسقاء طلب السقيا من المطر على عادة الناس إذا أقحطوا ويكون ما فعله الله من تفجير الحجر بالماء فوق الإجابة بالسقيا وإنزال الغيث . والحق أنه ليس في الآية ما يدل على أن الحق هذا أو ذاك وإن كان الأقرب أن ذلك وقع في التيه ، ويدل عليه وجهان :
أحدهما : أن المعتاد في البلاد الاستغناء عن طلب الماء إلا في النادر .
الثاني : ما روي أنهم كانوا يحملون الحجر مع أنفسهم لأنه صار معدا لذلك فكما كان المن والسلوى ينزلان عليهم في كل غداة فكذلك الماء ينفجر لهم في كل وقت وذلك لا يليق إلا بأيامهم في التيه .