(
والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور )
ثم عاد إلى البيان فقال تعالى : (
والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) .
هبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن وقد يتحرك ، وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين ، وقد يتحرك إلى اليسار ، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب ، وقد لا ينشئ ، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال تعالى : (
والله الذي أرسل ) بلفظ الماضي وقال : (
فتثير سحابا ) بصيغة المستقبل ، وذلك لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله وما يفعل الله يكون بقوله كن ، فلا يبقى في العدم لا زمانا ولا جزءا من الزمان ، فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان وكأنه فرغ من كل شيء ، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة ، والتقدير كالإرسال ، ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهو يؤلف في زمان فقال : (
تثير ) أي على هيئتها .
المسألة الثانية : قال : (
أرسل ) إسنادا للفعل إلى الغائب وقال : (
سقناه ) بإسناد الفعل إلى المتكلم وكذلك في قوله : (
فأحيينا ) وذلك لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ، ثم لما عرف قال : أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض ، فنفي الأول كان تعريفا بالفعل العجيب ، وفي الثاني كان تذكيرا بالنعمة فإن كمال نعمة الرياح والسحب بالسوق والإحياء وقوله : " سقناه وأحيينا " بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرناه من الفرق بين قوله : (
أرسل ) وبين قوله : (
تثير ) .
المسألة الثالثة : ما وجه التشبيه بقوله : (
كذلك النشور ) فيه وجوه :
أحدها : أن
الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة .
وثانيها : كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء .
وثالثها : كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت .
[ ص: 8 ] المسألة الرابعة : ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات مع أن
الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد ، فنقول : لما ذكر الله أنه فاطر السماوات والأرض ، وذكر من الأمور السماوية الأرواح وإرسالها بقوله : (
جاعل الملائكة رسلا ) ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله : (
والله الذي أرسل الرياح ) .