(
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد )
ثم قال تعالى : (
ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) .
لما كثر الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم والإصرار من الكفار ، وقالوا : إن الله لعله يحتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمرا بالغا ويهددنا على تركها مبالغا ، فقال تعالى : (
أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني ) فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم ، وإنما هو لإشفاقه عليكم ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : التعريف في الخبر قليل ، والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة ، وهو معقول ؛ وذلك لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر لا يكون عند المخبر به علم أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له
[ ص: 13 ] به ، ثم أن يكون معلوما عند السامع حتى يقول له : أيها السامع الأمر الذي تعرفه أنت فيه المعنى الفلاني ، كقول القائل : زيد قائم أو قام أي زيد الذي تعرفه ثبت له قيام لا علم عندك به ، فإن كان الخبر معلوما عند السامع ، والمبتدأ كذلك ، ويقع الخبر تنبيها لا تفهيما يحسن تعريف الخبر غاية الحسن ، كقول القائل : الله ربنا
ومحمد نبينا ، حيث عرف كون الله ربا ، وكون
محمد نبيا ، وههنا لما كان كون الناس فقراء أمرا ظاهرا لا يخفى على أحد قال : (
أنتم الفقراء ) .
المسألة الثانية : قوله : ( إلا الله ) إعلام بأنه
لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه ، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقرا إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ، ثم قال : (
والله هو الغني ) أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء ، وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم .
المسألة الثالثة : في قوله : (
الحميد ) لما زاد في الخبر الأول وهو قوله : (
أنتم الفقراء ) زيادة ، وهو قوله : (
إلى الله ) إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته زاد في وصفه بالغني زيادة ، وهو كونه حميدا إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غني ، وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم لكونه حميدا واجب الشكر ، فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو
غني على الإطلاق ، ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير مقضي الحاجات ، بل قضى في الدنيا حوائجكم ، وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد .