(
مصدقا لما بين يديه )
المسألة الثالثة : قوله : (
مصدقا لما بين يديه ) حال مؤكدة لكونه حقا ؛ لأن الحق إذا كان لا خلاف بينه وبين كتب الله يكون خاليا عن احتمال البطلان ، وفي قوله : مصدقا تقرير لكونه وحيا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن قارئا كاتبا ، وأتى ببيان ما في كتب الله لا يكون ذلك إلا من الله تعالى ، وجوابا عن سؤال الكفار ، وهو أنهم كانوا
[ ص: 22 ] يقولون بأن التوراة ورد فيها كذا ، والإنجيل ذكر فيه كذا ، وكانوا يفترون من التثليث وغيره ، وكانوا يقولون بأن القرآن فيه خلاف ذلك ، فقال : التوراة والإنجيل لم يبق بهما وثوق بسبب تغييركم ، فهذا القرآن ما ورد فيه إن كان في التوراة فهو حق وباق على ما نزل ، وإن لم يكن فيه ويكون فيه خلاف فهو ليس من التوراة ، فالقرآن مصدق للتوراة .
وفيه وجه آخر : وهو أن يقال : إن هذا الوحي مصدق لما تقدم ؛ لأن الوحي لو لم يكن وجوده لكذب
موسى وعيسى عليهما السلام في إنزال التوراة والإنجيل ، فإذا وجد الوحي ونزل على
محمد صلى الله عليه وسلم علم جوازه وصدق به ما تقدم ، وعلى هذا ففيه لطيفة : وهي أنه تعالى جعل
القرآن مصدقا لما مضى مع أن ما مضى أيضا مصدق له ؛ لأن الوحي إذا نزل على واحد جاز أن ينزل على غيره ، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل ما تقدم مصدقا للقرآن لأن القرآن كونه معجزة يكفي في تصديقه بأنه وحي ، وأما ما تقدم فلا بد معه من معجزة تصدقه .