(
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون )
ثم قال تعالى : (
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ) .
وفيه وجهان : والترتيب ظاهر على الوجهين :
الوجه الأول : هو أن يكون المعنى : واضرب لأجلهم مثلا .
والثاني : أن يكون المعنى : واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلا أي : مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية ، وعلى الأول نقول : لما قال الله : (
إنك لمن المرسلين ) ( الأحقاف : 9 ) وقال : (
لتنذر ) ( السجدة : 3 ) قال : قل لهم : (
ما كنت بدعا من الرسل ) ( الأحقاف : 9 ) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون ، وأنذروهم بما أنذرتكم ، وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة ، وعلى الثاني نقول : لما قال الله تعالى : إن
[ ص: 45 ] الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن ، قال للنبي عليه الصلاة والسلام : فلا تأس واضرب لنفسك ولقومك مثلا ، أي مثل لهم عند نفسك مثلا حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء ، وأنت جئتهم واحدا وقومك أكثر من قوم الثلاثة ، فإنهم جاءوا قرية وأنت بعثت إلى العالم ، وفي التفسير مسائل :
المسألة الأولى : ما
معنى قول القائل ضرب مثلا ؟ وقوله تعالى : (
واضرب ) مع أن الضرب في اللغة ، إما إمساس جسم جسما بعنف ، وإما السير إذا قرن به حرف في ، كقوله تعالى : (
وإذا ضربتم في الأرض ) ( النساء : 101 ) ؟ نقول : قوله ضرب مثلا معناه : مثل مثلا ، وذلك لأن الضرب اسم للنوع ، يقال : هذه الأشياء من ضرب واحد ؛ أي اجعل هذا وذاك من ضرب واحد .
المسألة الثانية : أصحاب القرية ، معناه : واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية ، فترك المثل وأقيم الأصحاب مقامه في الإعراب ، كقوله : (
واسأل القرية ) ( يوسف : 82 ) هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف ، ويحتمل أن يقال : لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى : اجعل أصحاب القرية لهم مثلا أو مثل أصحاب القرية بهم .
المسألة الثالثة : إذ جاءها المرسلون ، إذ منصوبة لأنها بدل من أصحاب القرية ، كأنه قال تعالى : (
واضرب لهم ) وقت مجيء المرسلين ، ومثل ذلك الوقت بوقت مجيئك ، وهذا أيضا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وعلى قولنا : إن هذا المثل مضروب لنفس
محمد صلى الله عليه وسلم تسلية ، فيحتمل أن يقال : إذ ظرف منصوب بقوله : ( اضرب ) أي اجعل الضرب ، كأنه حين مجيئهم وواقع فيه ، والقرية
أنطاكية والمرسلون من قوم
عيسى ، وهم أقرب مرسل أرسل إلى قوم إلى زمان
محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم ثلاثة كما بين الله تعالى ، وقوله : (
إذ أرسلنا ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون إذ أرسلنا بدلا من إذ جاءها ، كأنه قال : اضرب لهم مثلا ، إذ أرسلنا إلى أصحاب القرية اثنين .
وثانيهما : وهو الأصح والأوضح أن يكون إذ ظرفا والفعل الواقع فيه جاءها أي جاءها المرسلون حين أرسلناهم إليهم ؛ أي لم يكن مجيئهم من تلقاء أنفسهم ، وإنما جاءوهم حيث أمروا ، وهذا فيه لطيفة : وهي أن في الحكاية أن الرسل كانوا مبعوثين من جهة
عيسى عليه السلام أرسلهم إلى
أنطاكية ، فقال تعالى : إرسال
عيسى عليه السلام هو إرسالنا ورسول رسول الله بإذن الله رسول الله ، فلا يقع لك يا
محمد أن أولئك كانوا رسول الرسول ، وأنت رسول الله ، فإن تكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله : (
إذ أرسلنا ) وهذا يؤيد مسألة فقهية ، وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل وكيل الموكل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه وينعزل إذا عزله الموكل الأول ، وهذا على قولنا : (
واضرب لهم مثلا ) ضرب المثل لأجل
محمد صلى الله عليه وسلم ظاهر .