صفحة جزء
( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار )

قوله تعالى : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ) في الآية مسائل :

[ ص: 189 ] المسألة الأولى : قرأ ابن كثير : " عبدنا " على الواحد وهي قراءة ابن عباس ، ويقول إن قوله : " عبدنا " تشريف عظيم ، فوجب أن يكون هذا التشريف مخصوصا بأعظم الناس المذكورين في هذه الآية وهو إبراهيم ، وقرأ الباقون : " عبادنا " قالوا : لأن غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه هذا الوصف فجاء في عيسى : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ) [الزخرف : 59] وفي أيوب : ( نعم العبد ) وفي نوح : ( إنه كان عبدا شكورا ) [الإسراء : 3] فمن قرأ " عبدنا " جعل إبراهيم وحده عطف بيان له ، ثم عطف ذريته على عبدنا وهي إسحاق ويعقوب ، ومن قرأ " عبادنا " جعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عطف بيان لعبادنا .

المسألة الثانية : تقدير الآية كأنه تعالى قال : "فاصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود " إلى أن قال : ( واذكر عبادنا إبراهيم ) أي واذكر يا محمد صبر إبراهيم حين ألقي في النار ، وصبر إسحاق للذبح ، وصبر يعقوب حين فقد ولده وذهب بصره . ثم قال : ( أولي الأيدي والأبصار ) ، واعلم أن اليد آلة لأكثر الأعمال والبصر آلة لأقوى الإدراكات ، فحسن التعبير عن العمل باليد وعن الإدراك بالبصر . إذا عرفت هذا فنقول النفس الناطقة الإنسانية لها قوتان عاملة وعالمة ، أما القوة العاملة فأشرف ما يصدر عنها طاعة الله ، وأما القوة العالمة فأشرف ما يصدر عنها معرفة الله ، وما سوى هذين القسمين من الأعمال والمعارف فكالعبث والباطل ، فقوله : ( أولي الأيدي والأبصار ) إشارة إلى هاتين الحالتين .

ثم قال تعالى : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : قوله : ( بخالصة ) قرئ بالتنوين والإضافة فمن نون كان التقدير ( أخلصناهم ) أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة لا شوب فيها وهي ذكرى الدار ، ومن قرأ بالإضافة فالمعنى بما خلص من ذكرى الدار ، يعني أن ذكرى الدار قد تكون لله وقد تكون لغير الله ، فالمعنى إنا أخلصناهم بسبب ما خلص من هذا الذكر .

المسألة الثانية : في ذكرى الدار وجوه :

الأول : المراد أنهم استغرقوا في ذكرى الدار الآخرة وبلغوا في هذا الذكر إلى حيث نسوا الدنيا .

الثاني : المراد حصول الذكر الجليل الرفيع لهم في الدار الآخرة .

الثالث : المراد أنه تعالى أبقى لهم الذكر الجميل في الدنيا وقبل دعاءهم في قوله : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [الشعراء : 84] .

ثم قال تعالى : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) أي المختارين من أبناء جنسهم والأخيار جمع خير أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميت أو ميت ، واحتج العلماء بهذه الآية في إثبات عصمة الأنبياء ، قالوا لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم أخيارا على الإطلاق ، وهذا يعم حصول الخيرية في جميع الأفعال والصفات ، بدليل صحة الاستثناء وبدليل دفع الإجمال .

ثم قال : ( واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ) وهم قوم آخرون من الأنبياء تحملوا الشدائد في دين الله ، وقد ذكرنا الكلام في شرح هذه الأسماء ، وفي صفات هؤلاء الأنبياء في سورة الأنبياء وفي سورة الأنعام ، فلا فائدة في الإعادة ، وههنا آخر الكلام في قصص الأنبياء في هذه السورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية