السؤال الثالث : حاصل القول في القبضة واليمين هو القدرة الكاملة الوافية بحفظ هذه الأجسام العظيمة ، وكما أن حفظها وإمساكها يوم القيامة ليس إلا بقدرة الله فكذلك الآن ، فما الفائدة في تخصيص هذه الأحوال بيوم القيامة؟ 
الجواب عن الأول : أن مراتب التعظيم كثيرة فأولها تقرير عظمة الله بكونه قادرا على حفظ هذه الأجسام العظيمة ، ثم بعد تقرير عظمته بكونه قادرا على إمساك أولئك الملائكة الذين يحملون العرش . 
الجواب عن الثاني : أن المقصود أن الحق سبحانه هو المتولي لإبقاء السماوات والأرضين على وجوه العمارة في هذا الوقت ، وهو المتولي بتخريبها وإفنائها في يوم القيامة ، فذلك يدل على حصول قدرة تامة على الإيجاد والإعدام ، وتنبيه أيضا على كونه غنيا على الإطلاق ، فإنه يدل على أنه إذا حاول تخريب الأرض فكأنه يقبض قبضة صغيرة ويريد إفناءها ، وذلك يدل على كمال الاستغناء . 
الجواب عن الثالث : أنه إنما خصص تلك بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا ، فكذلك ظهر كمال قدرته عند خراب الدنيا ، والله أعلم . 
واعلم أنه تعالى لما قدر كمال عظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريقة أخرى تدل أيضا على 
كمال قدرته وعظمته ، وذلك شرح مقدمات يوم القيامة لأن 
نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم ، فقال : ( 
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون   ) واختلفوا في الصعقة ، منهم من قال : إنها غير الموت بدليل قوله تعالى في 
موسى  عليه السلام : ( 
وخر موسى صعقا   ) [الأعراف : 143] مع أنه لم يمت ، فهذا هو النفخ الذي يورث الفزع الشديد ، وعلى هذا التقدير فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد ، وهو المذكور في سورة النمل في قوله : ( 
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض   ) وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين . 
والقول الثاني : أن الصعقة عبارة عن الموت ، والقائلون بهذا القول قالوا : إنهم يموتون من الفزع وشدة الصوت ، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات ، أولها : نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة   
[ ص: 17 ] النمل . والثانية : نفخة الصعق . والثالثة : نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة . 
وأما قوله : ( 
إلا من شاء الله   ) ففيه وجوه : 
الأول : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما : 
عند نفخة الصعق يموت من في السماوات ومن في الأرض إلا جبريل  وميكائيل  وإسرافيل  وملك الموت ، ثم يميت الله 
ميكائيل  وإسرافيل  ويبقى 
جبريل  وملك الموت ثم يميت 
جبريل    . 
والقول الثاني : أنهم هم الشهداء ; لقوله تعالى : ( 
بل أحياء عند ربهم يرزقون   ) [آل عمران : 169] وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " 
هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش"   . 
القول الثالث : قال 
جابر    : هذا المستثنى هو 
موسى  عليه السلام ; لأنه صعق مرة فلا يصعق ثانيا . 
القول الرابع : أنهم الحور العين وسكان العرش والكرسي . 
والقول الخامس : قال 
قتادة    : الله أعلم بأنهم من هم ، وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم .