[ ص: 28 ] (
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )
قوله تعالى : (
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )
اعلم أنه تعالى لما بين أن الكفار يبالغون في إظهار العداوة مع المؤمنين ، بين أن
أشرف طبقات المخلوقات هم الملائكة الذين هم حملة العرش ، والحافون حول العرش يبالغون في إظهار المحبة والنصرة للمؤمنين ، كأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الأراذل يبالغون في العداوة فلا تبال بهم ولا تلتفت إليهم ولا تقم لهم وزنا ، فإن حملة العرش معك ، والحافون من حول العرش معك ينصرونك . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى حكى عن نوعين من فرق الملائكة هذه الحكاية :
القسم الأول : (
الذين يحملون العرش ) وقد حكى تعالى أن الذين يحملون العرش يوم القيامة ثمانية ، فيمكن أن يقال : الذين يحملون في هذا الوقت هم أولئك الثمانية الذين يحملونه يوم القيامة ، ولا شك أن حملة العرش أشراف الملائكة وأكابرهم ، روى صاحب "الكشاف" أن
حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : "
لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق الله تعالى من الملائكة ، فإن خلقا من الملائكة يقال له : إسرافيل ، زاوية العرش على كاهله ، وقدماه في الأرض السفلى ، وقد مرق رأسه من سبع سماوات ، وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوضع " قيل : إنه طائر صغير ، وروي أن الله أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش ; تفضيلا لهم على سائر الملائكة ، وقيل :
خلق الله العرش من جوهرة خضراء ، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام ، وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ، ومن ورائهم مائة ألف صف وقد وضعوا الأيمان على الشمائل ، ما منهم أحد إلا ويسبح بما لا يسبح به الآخر ، هذه الآثار نقلتها من "الكشاف" .
وأما القسم الثاني من الملائكة الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية فقوله تعالى : (
ومن حوله ) والأظهر أن المراد منهم ما ذكره في قوله : (
وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم )
[ ص: 29 ] وأقول :
العقل يدل على أن حملة العرش والحافين حول العرش يجب أن يكونوا أفضل الملائكة ; وذلك لأن نسبة الأرواح إلى الأرواح كنسبة الأجساد إلى الأجساد ، فلما كان العرش أشرف الموجودات الجسمانية كانت الأرواح المتعلقة بتدبير العرش يجب أن تكون أفضل من الأرواح المدبرة للأجساد ، وأيضا يشبه أن يكون هناك أرواح حاملة لجسم العرش ثم يتولد عن تلك الأرواح القاهرة المستعلية لجسم العرش أرواح أخر من جنسها ، وهي متعلقة بأطراف العرش ، وإليهم الإشارة بقوله : (
وترى الملائكة حافين من حول العرش ) وبالجملة فقد ظهر بالبراهين اليقينية ، وبالمكاشفات الصادقة أنه لا نسبة لعالم الأجساد إلى عالم الأرواح ، فكل ما شاهدته بعين البصر في اختلاف مراتب عالم الأجساد ، فيجب أن تشاهده بعين بصيرتك في اختلاف مراتب عالم الأرواح .
المسألة الثانية : دلت هذه الآية على أنه سبحانه منزه عن أن يكون في العرش ، وذلك لأنه تعالى قال في هذه الآية : (
الذين يحملون العرش ) وقال في آية أخرى : (
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) [الحاقة : 17] ولا شك أن حامل العرش يكون حاملا لكل من في العرش ، فلو كان إله العالم في العرش لكان هؤلاء الملائكة حاملين لإله العالم ، فحينئذ يكونون حافظين لإله العالم ، والحافظ القادر أولى بالإلهية ، والمحمول المحفوظ أولى بالعبودية ، فحينئذ ينقلب الإله عبدا والعبد إلها ، وذلك فاسد ، فدل هذا على أن
إله العرش والأجسام متعال عن العرش والأجسام .