واعلم أنه تعالى لما حكى عن ذلك الداعي ، أنه طلب هذه الأشياء الثلاثة ، قال بعد ذلك : (
إني تبت إليك وإني من المسلمين ) والمراد أن
الدعاء لا يصح إلا مع التوبة ، وإلا مع كونه من المسلمين ، فتبين أني إنما أقدمت على هذا الدعاء بعد أن تبت إليك من الكفر ومن كل قبيح ، وبعد أن دخلت في الإسلام والانقياد لأمر الله تعالى ولقضائه .
واعلم أن الذين قالوا إن هذه الآية نزلت في
أبي بكر ، قالوا : إن
أبا بكر أسلم والداه ، ولم يتفق لأحد من الصحابة والمهاجرين إسلام الأبوين إلا له ، فأبوه
أبو قحافة عثمان بن عمرو وأمه
أم الخير بنت صخر بن عمرو ، وقوله : (
وأن أعمل صالحا ترضاه ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فأجابه الله إليه فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله منهم
بلال وعامر بن فهيرة ولم يترك شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ، وقوله تعالى : (
وأصلح لي في ذريتي ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
لم يبق لأبي بكر ولد من الذكور والإناث إلا وقد آمنوا ، ولم يتفق لأحد من الصحابة أن أسلم أبواه وجميع أولاده الذكور والإناث إلا
لأبي بكر .
ثم قال تعالى : (
أولئك ) أي أهل هذا القول : (
الذين نتقبل عنهم ) قرئ بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، وقرئ بالنون المفتوحة ، وكذلك ( نتجاوز ) وكلاهما في المعنى واحد ؛ لأن الفعل وإن كان مبنيا للمفعول فمعلوم أنه لله سبحانه وتعالى ، فهو كقوله : (
يغفر لهم ما قد سلف ) [الأنفال : 38] فبين تعالى بقوله :
[ ص: 20 ] : (
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) أن من تقدم ذكره ممن يدعو بهذا الدعاء ، ويسلك هذه الطريقة التي تقدم ذكرها : (
نتقبل عنهم )
والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله ، فإن قيل : ولم قال تعالى : (
أحسن ما عملوا ) والله يتقبل الأحسن وما دونه ؟ قلنا : الجواب من وجوه :
الأول : المراد بالأحسن الحسن كقوله تعالى : (
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) [الزمر : 55] كقولهم : الناقص والأشج أعدلا
بني مروان ، أي عادلا
بني مروان .
الثاني : أن الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب والأحسن ما يغاير ذلك ، وهو كل ما كان مندوبا أو واجبا .
ثم قال تعالى : (
ونتجاوز عن سيئاتهم ) والمعنى أنه تعالى يتقبل طاعاتهم ويتجاوز عن سيئاتهم . ثم قال : (
في أصحاب الجنة ) قال صاحب "الكشاف" : ومعنى هذا الكلام مثل قولك : أكرمني الأمير في مائتين من أصحابه ، يريد أكرمني في جملة من أكرم منهم وضمني في عدادهم ، ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين منهم ، وقوله : (
وعد الصدق ) مصدر مؤكد ؛ لأن قوله : " نتقبل ، نتجاوز " وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز ، والمقصود بيان أنه تعالى يعامل من صفته ما قدمناه بهذا الجزاء ، وذلك وعد من الله تعالى فبين أنه صدق ولا شك فيه .