(
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
قوله تعالى : (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
اعلم أنه سبحانه وتعالى
ما ذكر في القرآن آية في الوعيد إلا وذكر بجنبها آية في الوعد ، وذلك لفوائد :
أحدها : ليظهر بذلك عدله سبحانه ، لأنه لما حكم بالعذاب الدائم على المصرين على الكفر وجب أن يحكم بالنعيم الدائم على المصرين على الإيمان .
وثانيها : أن
المؤمن لا بد وأن يعتدل خوفه ورجاؤه على ما قال عليه الصلاة والسلام : "
لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا " ، وذلك الاعتدال لا يحصل إلا بهذا الطريق .
وثالثها : أنه يظهر بوعده كمال رحمته وبوعيده كمال حكمته فيصير ذلك سببا للعرفان ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى :
العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان لأنه تعالى قال : (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكرارا ، أجاب القاضي بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة ، إلا أن قوله : آمن لا يفيد إلا أنه فعل فعلا واحدا من أفعال الإيمان ، فلهذا حسن أن يقول : (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
والجواب : أن فعل الماضي يدل على حصول المصدر في زمان مضى والإيمان هو المصدر ، فلو دل ذلك على جميع الأعمال الصالحة لكان قوله : آمن دليلا على صدور كل تلك الأعمال منه والله أعلم .
[ ص: 149 ]
المسألة الثانية : هذه الآية تدل على أن
صاحب الكبيرة قد يدخل الجنة لأنا نتكلم فيمن أتى بالإيمان وبالأعمال الصالحة ، ثم أتى بعد ذلك بالكبيرة ولم يتب عنها فهذا الشخص قبل إتيانه بالكبيرة كان قد صدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات في ذلك الوقت ، ومن صدق عليه ذلك صدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات وإذا صدق عليه ذلك وجب اندراجه تحت قوله : (
أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ، فإن قيل قوله تعالى : (
وعملوا الصالحات ) لا يصدق عليه إلا إذا أتى بجميع الصالحات ومن جملة الصالحات التوبة ، فإذا لم يأت بها لم يكن آتيا بالصالحات ، فلا يندرج تحت الآية . قلنا : قد بينا أنه قبل الإتيان بالكبيرة صدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات في ذلك الوقت ، وإذا صدق عليه ذلك فقد صدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات ؛ لأنه متى صدق المركب يجب صدق المفرد ، بل إنه إذا أتى بالكبيرة لم يصدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات في كل الأوقات ، لكن قولنا : آمن وعمل الصالحات أعم من قولنا : إنه كذلك في كل الأوقات أو في بعض الأوقات ، والمعتبر في الآية هو القدر المشترك ، فثبت أنه مندرج تحت حكم الوعد . بقي قولهم : إن الفاسق أحبط عقاب معصيته ثواب طاعته فيكون الترجيح لجانب الوعيد إلا أن الكلام عليه قد تقدم .
المسألة الثالثة : احتج
الجبائي بهذه الآية على أن من يدخل الجنة لا يدخلها تفضلا ، لأن قوله : (
أولئك أصحاب الجنة ) للحصر ، فدل على أنه
ليس للجنة أصحاب إلا هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قلنا : لم لا يجوز أن يكون المراد أنهم هم الذين يستحقونها فمن أعطي الجنة تفضلا لم يدخل تحت هذا الحكم والله أعلم .