(
بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ) .
ثم قال تعالى : (
بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) .
يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم : (
بل ظننتم أن لن ينقلب ) وأن مخففة من الثقيلة ، أي ظننتم أولا ، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به ، وذلك لأن
الشبهة قد يزينها الشيطان ، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل ، وإن كان لا يشك فيها العاقل ، وقوله تعالى : (
وظننتم ظن السوء ) يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون هذا العطف عطفا يفيد المغايرة ، فقوله : (
وظننتم ظن السوء ) غير الذي في قوله : (
بل ظننتم ) وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه : وظننتم أن الله يخلف وعده ، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله .
وثانيهما : أن يكون قوله : (
وظننتم ظن السوء ) هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا ، ويكون على حد قول القائل : علمت هذه المسألة وعلمت
[ ص: 78 ] كذا ، أي هذه المسألة لا غيرها ، وذلك كأنه قال : بل ظننتم ظن أن لن ينقلب . وظنكم ذلك فاسد ، وقد بينا التحقيق في ظن السوء ، وقوله تعالى : (
وكنتم قوما بورا ) يحتمل وجهين أحدهما : وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين .
وثانيهما : أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد .
ثم قال تعالى : : (
ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ) .
على قولنا : (
وظننتم ظن السوء ) ظن آخر غير ما في قوله : (
بل ظننتم ) ظاهر ، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن الله يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال : (
ومن لم يؤمن بالله ورسوله ) ويظن به خلفا وبرسوله كذبا فإنا أعتدنا له سعيرا ، وفي قوله : ( للكافرين ) بدلا عن أن يقول فإنا أعتدنا له فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال : ومن لم يؤمن بالله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيرا .