(
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون )
قوله تعالى : (
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون )
أما قوله تعالى : (
ثم أنتم هؤلاء ) ففيه إشكال لأن قوله : " أنتم " للحاضرين و " هؤلاء " للغائبين فكيف يكون الحاضر نفس الغائب ؟ وجوابه من وجوه :
أحدها : تقديره ثم أنتم يا هؤلاء .
وثانيها : تقديره ثم أنتم أعني هؤلاء الحاضرين .
وثالثها : أنه بمعنى الذي وصلته " تقتلون " وموضع تقتلون رفع إذا كان خبرا ولا موضع له إذا كان صلة . قال الزجاج : ومثله في الصلة قوله تعالى : (
وما تلك بيمينك ياموسى ) [ طه : 17 ] يعني وما تلك التي بيمينك .
ورابعها : هؤلاء تأكيد لأنتم ، والخبر " تقتلون " ، وأما قوله تعالى : (
تقتلون ) ?
[ ص: 157 ] (
أنفسكم ) فقد ذكرنا فيه الوجوه ، وأصحها أن المراد يقتل بعضكم بعضا ، وقتل البعض للبعض قد يقال فيه إنه قتل للنفس إذ كان الكل بمنزلة النفس الواحدة وبينا المراد بالإخراج من الديار ما هو .
أما قوله تعالى : (
تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
عاصم وحمزة والكسائي " تظاهرون " بتخفيف الظاء ، والباقون بالتشديد فوجه التخفيف الحذف لإحدى التاءين كقوله : (
ولا تعاونوا ) [ المائدة : 2 ] ووجه التشديد إدغام التاء في الظاء ، كقوله تعالى : (
اثاقلتم ) والحذف أخف والإدغام أدل على الأصل .
المسألة الثانية : اعلم أن التظاهر هو التعاون ، ولما كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضا مما تعظم به الفتنة واحتيج فيه إلى اقتدار وغلبة بين الله تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان .
المسألة الثالثة : الآية تدل على أن الظلم كما هو محرم فكذا
إعانة الظالم على ظلمه محرمة ، فإن قيل : أليس أن الله تعالى لما أقدر الظالم على الظلم وأزال العوائق والموانع وسلط عليه الشهوة الداعية إلى الظلم كان قد أعانه على الظلم ، فلو كانت إعانة الظالم على ظلمه قبيحة لوجب أن لا يوجد ذلك من الله تعالى ، والجواب : أنه تعالى وإن مكن الظالم من ذلك فقد زجره عن الظلم بالتهديد والزجر ، بخلاف المعين للظالم على ظلمه فإنه يرغبه فيه ويحسنه في عينه ويدعوه إليه فظهر الفرق .
المسألة الرابعة : الآية لا تدل على أن
قدر ذنب المعين مثل قدر ذنب المباشر ، بل الدليل دل على أنه دونه لأن الإعانة لو حصلت بدون المباشرة لما أثرت في حصول الظلم ولو حصلت المباشرة بدون الإعانة لحصل الضرر والظلم ، فعلمنا أن المباشرة أدخل في الحرمة من الإعانة .