(
مناع للخير معتد مريب ) .
وقوله تعالى : (
مناع للخير ) .
فيه وجهان :
أحدهما : كثير المنع للمال الواجب ، وإن كان من الكفر ، فهو أنكر دلائل وحدانية الله مع قوتها وظهورها ، فكان شديد الكفر عنيدا حيث أنكر الأمر اللائح والحق الواضح ، وكان كثير الكفران لوجود الكفران منه عند كل نعمة ( عنيد ) ينكرها مع كثرتها عن المستحق الطالب ، والخير هو المال ، فيكون كقوله تعالى : (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) [ فصلت : 6 ] حيث بدأ ببيان الشرك ، وثنى بالامتناع من إيتاء الزكاة ، وعلى هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا الكفار من الكفران ، كأنه يقول :
كفر أنعم الله تعالى ، ولم يؤد منها شيئا لشكر أنعمه .
وثانيهما : شديد المنع من الإيمان فهو (
مناع للخير ) وهو الإيمان الذي هو خير محض من أن يدخل في قلوب العباد ، وعلى هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا الكفار من الكفر ، كأنه يقول : كفر بالله ، ولم يقتنع بكفره حتى منع الخير من الغير .
وقوله تعالى : (
معتد ) .
فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون قوله (
معتد ) مرتبا على (
مناع ) بمعنى مناع الزكاة ، فيكون معناه لم يؤد الواجب ، وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضا بالربا والسرقة ، كما كان عادة المشركين .
وثانيهما : أن يكون قوله : (
معتد ) مرتبا على (
مناع ) بمعنى منع الإيمان ، كأنه يقول : منع الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه ، وأهان من آمن وآذاه ، وأعان من كفر وآواه .
وقوله تعالى : (
مريب )
فيه وجهان :
أحدهما : ذو ريب ، وهذا على قولنا : الكفار كثير الكفران ، والمناع مانع الزكاة ، كأنه يقول : لا يعطي الزكاة لأنه في ريب من الآخرة والثواب ، فيقول : لا أقرب مالا من غير عوض .
وثانيهما : (
مريب ) يوقع الغير في الريب بإلقاء الشبهة ، والإرابة جاءت بالمعنيين جميعا ، وفي الآية ترتيب آخر غير ما ذكرناه ، وهو أن يقال : هذا بيان
أحوال الكفر بالنسبة إلى الله ، وإلى رسول الله ، وإلى اليوم الآخر ، فقوله: (
كفار عنيد ) إشارة إلى حاله مع الله يكفر به ويعاند آياته ، وقوله: (
مناع للخير معتد ) إشارة إلى حاله مع رسول الله ، فيمنع الناس من اتباعه ، ومن الإنفاق على من عنده ، ويتعدى بالإيذاء وكثرة الهذاء ، وقوله: ( مريب ) إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يريب فيه ويرتاب ، ولا يظن أن الساعة قائمة ، فإن قيل قوله
[ ص: 144 ] تعالى : (
ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير ) إلى غير ذلك يوجب أن يكون الإلقاء خاصا بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها ،
والكفر كاف في إيراث الإلقاء في جهنم والأمر به ، فنقول قوله تعالى : (
كل كفار عنيد ) ليس المراد منه الوصف المميز ، كما يقال : أعط العالم الزاهد ، بل المراد الوصف المبين بكون الموصوف موصوفا به إما على سبيل المدح ، أو على سبيل الذم ، كما يقال : هذا حاتم السخي ، فقوله: (
كل كفار عنيد ) يفيد أن الكفار عنيد ومناع ، فالكفار كافر ; لأن آيات الوحدانية ظاهرة ، ونعم الله تعالى على عبده وافرة ، وعنيد ومناع للخير ; لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يمنع ، ومريب لأنه شاك في الحشر ، فكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات .