(
يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد )
ثم قال تعالى : (
يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) .
العامل في ( يوم ) ماذا ؟ فيه وجوه :
الأول : ما أنا بظلام مطلقا .
والثاني : الوقت ، حيث قال ما أنا يوم
[ ص: 150 ] كذا ، ولم يقل : ما أن بظلام في سائر الأزمان ، وقد تقدم بيانه ، فإن قيل فما فائدة التخصيص ؟ نقول النفي الخاص أقرب إلى التصديق من النفي العام ; لأن المتوهم ذلك ، فإن قاصر النظر يقول : يوم يدخل الله عبده الضعيف جهنم يكون ظالما له ، ولا يقول : بأنه يوم خلقه يرزقه ويربيه يكون ظالما ، ويتوهم أنه يظلم عبده بإدخاله النار ، ولا يتوهم أنه يظلم نفسه أو غير عبيده المذكورين ، ويتوهم أنه من يدخل خلقا كثيرا لا يجوزه حد ولا يدركه عد النار ويتركهم فيه زمانا لا نهاية له كثير الظلم ، فنفى ما يتوهم دون ما لا يتوهم ، وقوله : (
هل امتلأت ) بيان لتصديق قوله تعالى : (
لأملأن جهنم ) [السجدة : 13] ، وقوله : (
هل من مزيد ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه لبيان استكثارها الداخلين ، كما أن من يضرب غيره ضربا مبرحا ، أو يشتمه شتما قبيحا فاحشا ، ويقول المضروب : هل بقي شيء آخر ! ، ويدل عليه قوله تعالى : ( لأملأن) لأن الامتلاء لا بد من أن يحصل ، فلا يبقى في جهنم موضع خال حتى تطلب المزيد .
والثاني : هو أنها تطلب الزيادة ، وحينئذ لو قال قائل فكيف يفهم مع هذا معنى قوله تعالى : ( لأملأن ) ؟ نقول : ( الجواب ) : عنه من وجوه :
أحدها : أن هذا الكلام ربما يقع قبل إدخال الكل ، وفيه لطيفة ، وهي أن
جهنم تتغيظ على الكفار فتطلبهم ، ثم يبقى فيها موضع لعصاة المؤمنين ، فتطلب جهنم امتلاءها لظنها بقاء أحد من الكفار خارجا ، فيدخل العاصي من المؤمنين ، فيبرد إيمانه حرارتها ، ويسكن إيقانه غيظها فتسكن ، وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض الأخبار ، أن جهنم تطلب الزيادة حتى يضع الجبار قدمه ،
والمؤمن جبار متكبر على ما سوى الله تعالى ذليل متواضع لله .
الثاني : أن تكون جهنم تطلب أولا سعة في نفسها ، ثم مزيدا في الداخلين لظنها بقاء أحد من الكفار .
الثالث : أن الملء له درجات ، فإن الكيل إذا ملئ من غير كبس صح أن يقال : ملئ وامتلأ ، فإذا كبس يسع غيره ولا ينافي كونه ملآن أولا ، فكذلك في جهنم ملأها الله ثم تطلب زيادة تضييقا للمكان عليهم وزيادة في التعذيب ، والمزيد جاز أن يكون بمعنى المفعول ، أي هل بقي أحد تزيد به .