(
والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف ) .
ثم قال : (
والسماء ذات الحبك ) وفي تفسيره مباحث :
[ ص: 170 ] الأول : (
والسماء ذات الحبك ) قيل : الطرائق ، وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد طرائق الكواكب وممراتها كما يقال في المحابك ، ويحتمل أن يكون المراد ما في السماء من الأشكال بسبب النجوم ، فإن في سمت كواكبها طريق التنين والعقرب والنسر الذي يقول به أصحاب الصور ومنطقة الجوزاء وغير ذلك كالطرائق ، وعلى هذا فالمراد به
السماء المزينة بزينة الكواكب ، ومثله قوله تعالى : (
والسماء ذات البروج ) [ البروج : 1 ] وقيل : حبكها صفاقها ، يقال في الثوب الصفيق حسن الحبك ، وعلى هذا فهو كقوله تعالى : (
والسماء ذات الرجع ) [ الطارق : 11 ] لشدتها وقوتها وهذا ما قيل فيه .
البحث الثاني : في المقسم عليه وهو قوله تعالى : (
إنكم لفي قول مختلف ) وفي تفسيره أقوال مختلفة كلها محكمة .
الأول :
إنكم لفي قول مختلف ، في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، تارة يقولون إنه أمين وأخرى إنه كاذب ، وتارة تنسبونه إلى الجنون ، وتارة تقولون إنه كاهن وشاعر وساحر ، وهذا محتمل لكنه ضعيف إذ لا حاجة إلى اليمين على هذا ; لأنهم كانوا يقولون ذلك من غير إنكار حتى يؤكد بيمين .
الثاني : (
إنكم لفي قول مختلف ) أي : غير ثابتين على أمر ، ومن لا يثبت على قول لا يكون متيقنا في اعتقاده فيكون كأنه قال تعالى ، والسماء إنكم غير جازمين في اعتقادكم وإنما تظهرون الجزم لشدة عنادكم ، وعلى هذا القول فيه فائدة وهي أنهم لما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنك تعلم أنك غير صادق في قولك ، وإنما تجادل ونحن نعجز عن الجدل قال : (
والذاريات ذروا ) أي : إنك صادق ولست معاندا ، ثم قال تعالى : بل أنتم والله جازمون بأني صادق فعكس الأمر عليهم .
الثالث : إنكم لفي قول مختلف ، أي متناقض ، أما في الحشر فلأنكم تقولون لا حشر ولا حياة بعد الموت ثم تقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة ، فإذا كان لا حياة بعد الموت ولا شعور للميت ، فماذا يصيب آباءكم إذا خالفتموهم ؟ وإنما يصح هذا ممن يقولون بأن بعد الموت عذابا فلو علمنا شيئا يكرهه الميت يبدى فلا معنى لقولكم إنا لا ننسب آباءنا بعد موتهم إلى الضلال ، وكيف وأنتم تربطون الركائب على قبور الأكابر ، وأما في التوحيد فتقولون خالق السماوات والأرض هو الله تعالى لا غيره ثم تقولون هو إله الآلهة وترجعون إلى الشرك ، وأما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقولون إنه مجنون ثم تقولون له إنك تغلبنا بقوة جدلك ، والمجنون كيف يقدر على الكلام المنتظم المعجز ، إلى غير ذلك من الأمور المتناقضة .