(
ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون )
قوله تعالى : (
ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون )
اعلم أن هذا نوع آخر من
النعم التي أفاضها الله عليهم ثم إنهم قابلوه بالكفر والأفعال القبيحة ، وذلك لأنه تعالى لما وصف حال
اليهود من قبل بأنهم يخالفون أمر الله تعالى في قتل أنفسهم وإخراج بعضهم بعضا من ديارهم وبين أنهم بهذا الصنيع اشتروا الدنيا بالآخرة ، زاد في تبكيتهم بما ذكره في هذه الآية . أما الكتاب فهو التوراة آتاه الله إياها جملة واحدة ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن التوراة لما نزلت أمر الله تعالى
موسى بحملها فلم يطق ذلك ، فبعث الله لكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حملها فخففها الله على
موسى فحملها .
وأما قوله تعالى : (
وقفينا من بعده بالرسل ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قفينا ، أتبعنا مأخوذ من الشيء يأتي في قفاه الشيء ، أي بعد نحو ذنبه من الذنب ، ونظيره قوله : (
ثم أرسلنا رسلنا تترى ) [ المؤمنون : 44 ] .
المسألة الثانية : روي أن بعد
موسى عليه السلام إلى أيام
عيسى عليه السلام كانت الرسل تتواتر ويظهر بعضهم في أثر بعض ، والشريعة واحدة إلى أيام
عيسى عليه السلام ، فإنه صلوات الله عليه جاء بشريعة مجددة ، واستدلوا على صحة ذلك بقوله تعالى : (
وقفينا من بعده بالرسل ) فإنه يقتضي أنهم على حد واحد في الشريعة يتبع بعضهم بعضا فيها ، قال القاضي : إن الرسول الثاني لا يجوز أن يكون على شريعة الأول حتى لا يؤدي إلى تلك الشريعة بعينها من غير زيادة ولا نقصان ، مع أن تلك الشريعة محفوظة يمكن معرفتها بالتواتر عن الأول ، لأن الرسول إذا كان هذا حاله لم يمكن أن يعلم من جهة إلا ما كان قد علم من قبل أو يمكن أن يعلم من قبل ، فكما لا يجوز أن يبعث الله تعالى رسولا لا شريعة معه أصلا ، تبين العقليات لهذه العلة ، فكذا القول في مسألتنا : فثبت أنه لا بد في الرسل الذين جاءوا من بعد
موسى عليه السلام أن يكونوا قد أتوا بشريعة
[ ص: 161 ] جديدة إن كانت الأولى محفوظة أو محيية لبعض ما اندرس من الشريعة الأولى . والجواب : لم لا يجوز أن يكون المقصود من بعثة هؤلاء الرسل تنفيذ تلك الشريعة السالفة على الأمة أو نوعا آخر من الألطاف لا يعلمها إلا الله ؟ وبالجملة فالقاضي ما أتى في هذه الدلالة إلا بإعادة الدعوى ، فلم قال : إنه لا يجوز بعث هؤلاء الرسل إلا لشريعة جديدة أو لإحياء شريعة اندرست وهل النزاع وقع إلا في هذا ؟
المسألة الثالثة : هؤلاء
الرسل هم :
يوشع ،
وشمويل ،
وشمعون ،
وداود ،
وسليمان وشعياء ،
وأرمياء ،
وعزير ،
وحزقيل ،
وإلياس ،
واليسع ،
ويونس ،
وزكريا ،
ويحيى ، وغيرهم .