(
مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ) .
قوله تعالى : (
مسومة عند ربك للمسرفين ) فيه وجوه .
أحدها : مكتوب على كل واحد اسم واحد يقتل به .
ثانيها : أنها خلقت باسمهم ولتعذيبهم بخلاف سائر الأحجار فإنها مخلوقة للانتفاع في الأبنية وغيرها .
ثالثها : مرسلة للمجرمين لأن الإرسال يقال في السوائم يقال أرسلها لترعى فيجوز أن يقول سومها بمعنى أرسلها وبهذا يفسر قوله تعالى : (
والخيل المسومة ) [ آل عمران : 14 ] إشارة إلى الاستغناء عنها وأنها ليست للركوب ليكون أدل على الغنى ، كما قال : (
والقناطير المقنطرة ) [ آل عمران : 14 ] وقوله تعالى : (
للمسرفين ) إشارة إلى خلاف ما يقول الطبيعيون : إن الحجارة إذا أصابت واحدا من الناس فذلك نوع من الاتفاق فإنها تنزل بطبعها يتفق شخص لها فتصيبه ، فقوله : (
مسومة ) أي في أول ما خلق وأرسل . إذا علم هذا فإنما كان ذلك على قصد إهلاك المسرفين ، فإن قيل : إذا كانت
الحجارة مسومة للمسرفين فكيف قالوا : (
إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم ) مع أن
المسرف غير المجرم في اللغة ؟ نقول : المجرم هو الآتي بالذنب العظيم لأن الجرم فيه دلالة على العظم ومنه جرم الشيء لعظمة مقداره ، والمسرف هو الآتي بالكبيرة ، ومن أسرف ولو في الصغائر يصير مجرما لأن الصغير إلى الصغير إذا انضم صار كبيرا ، ومن أجرم فقد أسرف لأنه أتى بالكبيرة ولو دفعة واحدة فالوصفان اجتمعا فيهم . لكن فيه لطيفة معنوية ، وهي أن الله تعالى سومها للمسرف المصر الذي لا يترك الجرم ، والعلم بالأمور المستقبلة عند الله تعالى ، يعلم أنهم مسرفون فأمر الملائكة بإرسالها عليهم ، وأما الملائكة فعلمهم تعلق بالحاضر وهم كانوا مجرمون فقالوا : (
إنا أرسلنا إلى قوم ) نعلمهم مجرمين لنرسل عليهم حجارة خلقت لمن لا يؤمن ويصر ويسرف ولزم من هذا علمنا بأنهم لو عاشوا سنين لتمادوا في الإجرام ، فإن قيل اللام لتعريف الجنس أو لتعريف العهد ؟ نقول لتعريف العهد أي مسومة
[ ص: 188 ] لهؤلاء المسرفين إذ ليس لكل مسرف حجارة مسومة ، فإن قيل ما إسرافهم ؟ نقول ما دل عليه قوله تعالى : (
ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) [ الأعراف :80 ] أي لم يبلغ مبلغكم أحد .
وقوله تعالى : (
فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ) فيه فائدتان :
إحداهما : بيان القدرة والاختيار فإن من يقول بالاتفاق يقول يصيب البر والفاجر فلما ميز الله المجرم عن المحسن دل على الاختيار .
ثانيها : بيان أنه ببركة المحسن ينجو المسيء فإن
القرية ما دام فيها المؤمن لم تهلك ، والضمير عائد إلى القرية معلومة وإن لم تكن مذكورة .