(
فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) .
وقوله تعالى : (
فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) فيه إشارة إلى أن
الكفر إذا غلب والفسق إذا فشا لا تنفع معه عبادة المؤمنين ، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويزنون ، وقيل في مثاله إن العالم كبدن ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والكفار والفساق كالسموم الواردة عليه الضارة ، ثم إن البدن إن خلا عن المنافع وفيه المضار هلك وإن خلا عن المضار وفيه المنافع طاب عيشه ونما ، وإن وجد فيه كلاهما فالحكم للغالب . فكذلك البلاد والعباد , والدلالة على أن المسلم بمعنى المؤمن ظاهرة ، والحق أن المسلم أعم من المؤمن وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه ، فإذا سمي المؤمن مسلما لا يدل على اتحاد مفهوميهما ، فكأنه تعالى قال أخرجنا المؤمنين فما وجدنا الأعم منهم إلا بيتا من المسلمين ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين ، وهذا كما لو قال قائل لغيره : من في البيت من الناس ؟ فيقول له : ما في البيت من الحيوانات أحد غير زيد ، فيكون مخبرا له بخلو البيت عن كل إنسان غير زيد .
ثم قال تعالى : (
وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) .
وفي الآية خلاف . قيل : هو ماء أسود منتن انشقت أرضهم وخرج منها ذلك ، وقيل : حجارة مرمية في ديارهم وهي بين
الشام والحجاز ، وقوله : (
للذين يخافون العذاب الأليم ) أي المنتفع بها هو الخائف ، كما قال تعالى : (
لقوم يعقلون ) [ العنكبوت : 35] في سورة العنكبوت ، وبينهما في اللفظ فرق قال ههنا : (
آية ) وقال هناك : (
آية بينة ) [ العنكبوت : 35] وقال هناك : (
لقوم يعقلون ) وقال ههنا : (
للذين يخافون ) فهل في المعنى فرق ؟ نقول هناك مذكور بأبلغ وجه يدل عليه قوله تعالى : (
آية بينة ) حيث وصفها بالظهور ، وكذلك منها وفيها فإن من للتبعيض ، فكأنه تعالى قال : من نفسها لكم آية باقية ، وكذلك قال : (
لقوم يعقلون ) فإن العاقل أعم من الخائف ، فكانت الآية هناك أظهر ، وسببه ما ذكرنا أن القصد هناك تخويف القوم ، وههنا تسلية القلب ألا ترى إلى قوله تعالى : (
فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وقال هناك : (
إنا منجوك وأهلك ) [ العنكبوت : 33 ] من غير
بيان واف بنجاة المسلمين والمؤمنين بأسرهم .