(
أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم ) .
ثم قال تعالى : (
أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) أي بذلك القول ، وهو قولهم : (
ساحر أو مجنون ) ومعناه التعجيب ، أي كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم تواطئوا عليه ، وقال بعضهم لبعض : لا تقولوا إلا هذا ، ثم قال : لم يكن ذلك عن التواطئ ، وإنما كان لمعنى جامع هو أن
الكل أترفوا فاستغنوا فنسوا الله وطغوا فكذبوا رسله ، كما أن الملك إذا أمهل أهل بقعة ، ولم يكلفهم بشيء ، ثم قعد بعد مدة وطلبهم إلى بابه
[ ص: 198 ] يصعب عليهم لاتخاذهم القصور والجنان وتحسين بلادهم من الوجوه الحسان ، فيحملهم ذلك على العصيان ، والقول بطاعة ملك آخر .
ثم قال تعالى : (
فتول عنهم فما أنت بملوم ) هذه تسلية أخرى ، وذلك لأن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من كرم الأخلاق ينسب نفسه إلى تقصير ، ويقول إن عدم إيمانهم لتقصيري في التبليغ ; فيجتهد في الإنذار والتبليغ ، فقال تعالى : قد أتيت بما عليك ، ولا يضرك التولي عنهم ، وكفرهم ليس لتقصير منك ، فلا تحزن فإنك لست بملوم بسبب التقصير ، وإنما هم الملومون بالإعراض والعناد .