[ ص: 205 ] [ سورة الطور ]
أربعون وتسع آيات مكية
( بسم الله الرحمن الرحيم )
(
والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
(
والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور ) هذه السورة مناسبة للسورة المتقدمة من حيث الافتتاح بالقسم وبيان الحشر فيهما ، وأول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها ; لأن في آخرها قوله تعالى : (
فويل للذين كفروا ) [ الذاريات : 60 ] وهذه السورة في أولها (
فويل يومئذ للمكذبين ) [ الطور : 11 ] وفي آخر تلك السورة قال : (
فإن للذين ظلموا ذنوبا ) [ الذاريات : 59 ] إشارة إلى العذاب وقال هنا (
إن عذاب ربك لواقع ) [ الطور : 7 ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ما الطور ، وما الكتاب المسطور ؟ نقول فيه وجوه :
الأول : الطور هو جبل معروف كلم الله تعالى
موسى عليه السلام عليه .
الثاني : هو الجبل الذي قال الله تعالى : (
وطور سينين ) [ التين : 2 ] .
الثالث : هو اسم الجنس والمراد القسم بالجبل غير أن الطور الجبل العظيم كالطود ، وأما الكتاب ففيه أيضا وجوه :
أحدها : كتاب
موسى عليه السلام .
ثانيها : الكتاب الذي في السماء .
ثالثها : صحائف أعمال الخلق .
رابعها : القرآن وكيفما كان فهي في رقوق ، وسنبين فائدة قوله تعالى : (
في رق منشور ) ، وأما
البيت المعمور ففيه وجوه :
الأول : هو بيت في السماء العليا عند العرش ووصفه بالعمارة لكثرة الطائفين به من الملائكة .
الثاني : هو
بيت الله الحرام وهو معمور بالحاج الطائفين به العاكفين .
الثالث : البيت المعمور اللام فيه لتعريف الجنس كأنه يقسم بالبيوت المعمورة والعمائر المشهورة ، " والسقف المرفوع " : السماء ، والبحر المسجور ، قيل : الموقد يقال سجرت التنور ، وقيل هو البحر المملوء ماء المتموج ، وقيل هو بحر معروف في السماء يسمى بحر الحيوان .
[ ص: 206 ] المسألة الثانية : ما الحكمة في اختيار هذه الأشياء ؟ نقول هي تحتمل وجوها :
أحدها : أن الأماكن الثلاثة وهي : الطور ، والبيت المعمور ، والبحر المسجور ، أماكن كانت لثلاثة أنبياء ينفردون فيها للخلوة بربهم والخلاص من الخلق والخطاب مع الله ، أما الطور فانتقل إليه
موسى عليه السلام ، والبيت
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والبحر المسجور
يونس عليه السلام ، والكل خاطبوا الله هناك فقال
موسى : (
أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) [ الأعراف : 155 ] وقال : (
أرني أنظر إليك ) [ الأعراف : 143 ] وأما
محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013730السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك " وأما
يونس فقال : (
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ] فصارت الأماكن شريفة بهذه الأسباب ، فحلف الله تعالى بها ، وأما ذكر الكتاب فإن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن مع الله تعالى كلام والكلام في الكتاب واقترانه بالطور أدل على ذلك ; لأن
موسى عليه السلام كان له مكتوب ينزل عليه وهو بالطور ، وأما ذكر السقف المرفوع ومعه البيت المعمور ليعلم عظمة شأن
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ثانيها : وهو أن القسم لما كان على وقوع العذاب وعلى أنه لا دافع له ، وذلك لأن لا مهرب من عذاب الله لأن من يريد دفع العذاب عن نفسه ، ففي بعض الأوقات يتحصن بمثل الجبال الشاهقة التي ليس لها طرف وهي متضايقة بين أنه لا ينفع التحصن بها من أمر الله تعالى كما قال ابن
نوح عليه السلام : (
سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) [ هود : 43 ] حكاية عن
نوح عليه السلام .
المسألة الثالثة : ما
الحكمة في تنكير الكتاب وتعريف باقي الأشياء ؟ نقول : ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام ، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير ، فإذا بلغ الأمير الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته ، ويريد الواصف وصفه بالعظمة ، يقول : اليوم رأيت أميرا ما له نظير جالسا وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم ، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته ، فيكون كقوله تعالى : (
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة ) [ الحاقة : 1 ، 3 ] فاللام وإن كانت معرفة لكن أخرجها عن المعرفة كون شدة هولها غير معروف ، فكذلك ههنا الطور ليس في الشهرة بحيث يؤمن اللبس عند التنكير ، وكذلك البيت المعمور ، وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب ، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي - صلى الله عليه وسلم – لفظ الكتاب إلا ذلك ، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصدا للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير ، وفي تلك الأشياء لما لم تحصل فائدة التعريف إلا بآلة التعريف استعملها ، وهذا يؤيد كون المراد منه القرآن وكذلك اللوح المحفوظ مشهور .
المسألة الرابعة : ما الفائدة في قوله تعالى : (
في رق منشور ) وعظمة الكتاب بلفظه ومعناه لا بخطه وورقه ؟ نقول هو إشارة إلى الوضوح ، وذلك لأن الكتاب المطوي لا يعلم ما فيه فقال هو (
في رق منشور ) وليس كالكتب المطوية وعلى هذا المراد اللوح المحفوظ فمعناه هو منشور لكم لا يمنعكم أحد من مطالعته ، وإن قلنا بأن المراد كتاب أعمال كل أحد فالتنكير لعدم المعرفة بعينه ، وفي رق منشور لبيان وصفه كما قال تعالى : (
كتابا يلقاه منشورا ) [ الإسراء : 13 ] وذلك لأن غير المعروف إذا وصف كان إلى المعرفة أقرب شبها .
المسألة الخامسة : في بعض السور أقسم بجموع كما في قوله تعالى : (
والذاريات ) [الذاريات : 1]
[ ص: 207 ] وقوله (
والمرسلات ) [ المرسلات : 1] وقوله (
والنازعات ) [ النازعات : 1] وفي بعضها بإفراد كما في هذه السورة حيث قال : (
والطور ) ولم يقل والأطوار والبحار ، ولا سيما إذا قلنا المراد من الطور الجبل العظيم كالطود ، كما في قوله تعالى : (
ورفعنا فوقهم الطور ) [ النساء : 54] أي الجبل فما الحكمة فيه ؟ نقول في الجموع في أكثرها أقسم بالمتحركات، والريح الواحدة ليست بثابتة مستمرة حتى يقع القسم بها ، بل هي متبدلة بأفرادها مستمرة بأنواعها، والمقصود منها لا يحصل إلا بالتبدل والتغير فقال : (
والذاريات ) إشارة إلى النوع المستمر إلى الفرد المعين المستقر ، وأما الجبل فهو ثابت قليل التغير، والواحد من الجبال دائم زمانا ودهرا ، فأقسم في ذلك بالواحد، وكذلك قوله (
والنجم ) [ النجم : 1] والريح ما علم القسم به، وفي الطور علم .