(
فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون )
ثم قال تعالى : (
فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون )
أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذا للمكذبين ، فالفاء لاتصال المعنى ، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان ، وذلك لأنه لما قال : (
إن عذاب ربك لواقع ) لم يبين بأن موقعه بمن ، فلما قال : (
فويل يومئذ للمكذبين ) علم المخصوص به وهو المكذب ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا قلت بأن قوله (
فويل يومئذ للمكذبين ) بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب ، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون ، نقول : ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى : (
كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا )
[ ص: 211 ] [ الملك : 8 9] فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان ، وإنما يدخل فيها ليطهر إدخال مع نوع إكرام ، فكذلك
الويل للمكذبين ، والويل ينبئ عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة ، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قويا والولي فيه القوة على المولى عليه ، ويدل عليه قوله تعالى : ( يدعون ) فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع ، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله ( ويل ) مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى وجهه في قوله تعالى : (
قال سلام ) [ مريم : 47] والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل ، ولهذا قال تعالى : (
وخضتم كالذي خاضوا ) [ التوبة : 69] وقال تعالى : (
وكنا نخوض مع الخائضين ) [ المدثر : 45] وتنكير الخوض يحتمل وجهين
أحدهما : أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم.
ثانيهما : أن يكون التنوين تعويضا عن المضاف إليه ، كما في قوله تعالى : ( إلا ) [ التوبة : 8] وقوله (
وكلا ) [ الفرقان : 39] و (
بعضهم ببعض ) [ الحج : 40] . والأصل في خوضهم المعروف منهم وقوله (
الذين هم في خوض ) ليس وصفا للمكذبين بما يميزهم ، وإنما هو للذم كما أنك تقول الشيطان الرجيم ولا تريد فصله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك أكرم الرجل العالم ، فالوصف بالرجيم للذم به لا للتعريف وتقول في المدح : الله الذي خلق ، والله العظيم للمدح لا للتمييز ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم ، فإن الله واحد لا غير .