(
ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر ) .
[ ص: 69 ] ثم قال تعالى : (
ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر ) والأشياع الأشكال ، وقد ذكرنا أن هذا يدل على أن قوله : (
وما أمرنا إلا واحدة )
تهديد بالإهلاك والثاني ظاهر .
وقوله تعالى : (
وكل شيء فعلوه في الزبر ) إشارة إلى أن الأمر غير مقتصر على إهلاكهم ، بل الإهلاك هو العاجل والعذاب الآجل الذي هو معد لهم على ما فعلوه ، مكتوب عليهم ،
والزبر هي كتب الكتبة الذين قال تعالى فيهم : (
كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) [ الانفطار : 11 ] و : (
فعلوه ) صفة شيء ، والنكرة توصف بالجمل .
وقوله تعالى : (
وكل صغير وكبير مستطر ) تعميم للحكم أي ليست الكتابة مقتصرة على ما فعلوه بل ما فعله غيرهم أيضا ، مسطور فلا يخرج عن الكتب صغيرة ولا كبيرة ، وقد ذكرنا في قوله تعالى : (
لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب ) [ سبأ : 3 ] أن في قوله (
أكبر ) فائدة عظيمة وهي أن من يكتب حساب إنسان ، فإنما يكتبه في غالب الأمر لئلا ينسى ، فإذا جاء بالجملة العظيمة التي يأمن نسيانها ربما يترك كتابتها ويشتغل بكتابة ما يخاف نسيانه ، فلما قال : (
ولا أكبر ) من ذلك أشار إلى
الأمور العظام التي يؤمن من نسيانها أنها مكتوبة ، أي ليست كتابتنا مثل كتابتكم التي يكون المقصود منها الأمن من النسيان ، فكذلك نقول : ههنا وفي قوله تعالى : (
مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) [ الكهف : 49 ] وفي جميع هذه المواضع قدم الصغيرة لأنها أليق بالتثبت عند الكتابة فيبتدئ بها حفظا عن النسيان في عادة الخلق ، فأجرى الله الذكر على عادتهم ، وهذا يؤيد ما ذكرنا من قبل ، أن كلا وإن كان نكرة يحسن الابتداء به للعموم وعدم الإبهام .