(
خلق الإنسان من صلصال كالفخار )
ثم قال تعالى : (
خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) وفي الصلصال وجهان :
أحدهما : هو بمعنى المسنون من صل اللحم إذا أنتن ، ويكون الصلصال حينئذ من الصلول .
وثانيهما : من الصليل يقال : صل الحديد صليلا إذا حدث منه صوت ، وعلى هذا فهو الطين اليابس الذي يقع بعضه على بعض فيحدث فيما بينهما صوت ، إذ هو الطين اللازب الحر الذي إذا التزق بالشيء ، ثم انفصل عنه دفعة سمع منه عند الانفصال صوت ، فإن قيل : الإنسان
إذا خلق من صلصال كيف ورد في القرآن خلق من التراب وورد أنه خلق من الطين ومن حمأ ومن ماء مهين إلى غير ذلك . نقول : أما قوله (
من تراب ) تارة ، و (
من ماء مهين ) أخرى ، فذلك باعتبار شخصين
آدم خلق من الصلصال ومن حمأ وأولاده خلقوا من ماء مهين ، ولولا
خلق آدم لما خلق أولاده ، ويجوز أن يقال : زيد خلق من حمأ بمعنى أن أصله الذي هو جده خلق منه ، وأما قوله : (
من طين لازب ) و (
من حمإ ) وغير ذلك فهو إشارة إلى أن
آدم عليه السلام خلق أولا من التراب ، ثم صار طينا ثم حمأ مسنونا ثم
[ ص: 87 ] لازبا ، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ، ومن ذلك ، والفخار الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف مستعمل على أصل الاشتقاق ، وهو مبالغة الفاخر كالعلام في العالم ، وذلك أن التراب الذي من شأنه التفتت إذا صار بحيث يجعل ظرف الماء والمائعات ولا يتفتت ولا ينقع فكأنه يفخر على أفراد جنسه .