(
ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) .
ثم
قال تعالى : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) .
وقد ذكرنا ما فيه لكن هنا لطيفة : وهي أنه تعالى قال في السابقين : (
ثلة من الأولين ) قبل ذكر السرر والفاكهة والحور ، وذكر في أصحاب اليمين : (
ثلة من الأولين ) بعد ذكر هذه النعم ، نقول : السابقون لا يلتفتون إلى الحور العين والمأكول والمشروب ، ونعم الجنة تتشرف بهم ، وأصحاب اليمين يلتفتون إليها فقدم ذكرها عليهم ثم قال : هذا لكم وأما السابقون فذكرهم أولا ثم ذكر مكانهم ، فكأنه قال لأهل الجنة هؤلاء واردون عليكم . والذي يتمم هذه اللطيفة أنه تعالى لم يقدم ثلة السابقين إلا لكونهم مقربين حسا فقال : (
المقربون في جنات ) [ الواقعة : 12 ] ثم قال : (
ثلة ) ثم ذكر النعم ؛ لكونها فوق الدنيا إلا المودة في القربى من الله فإنها فوق كل شيء ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ الشورى : 23 ] وأما قوله : (
في جنات النعيم ) [ الصافات : 43 ] فقد ذكرنا أنه لتمييز مقربي المؤمنين من مقربي الملائكة ، فإنهم مقربون في الجنة وهم مقربون في أماكنهم لقضاء الأشغال التي للناس وغيرهم بقدرة الله ، وقد بان من هذا أن المراد من أصحاب اليمين هم الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا وعفا الله عنهم بسبب أدنى حسنة لا الذين غلبت حسناتهم وكثرت ، وسنذكر الدليل عليه في قوله تعالى : (
فسلام لك من أصحاب اليمين ) [ الواقعة : 91 ] .