[ ص: 209 ] (
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد )
ثم قال تعالى : (
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الآية قولان :
الأول : أن هذا بدل من قوله : (
كل مختال فخور ) كأنه قال :
لا يحب المختال ولا يحب الذين يبخلون ، يريد الذين يفرحون الفرح المطغي ، فإذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يبخلون به ، ولا يكفيهم أنهم بخلوا به ، بل يأمرون الناس بالبخل به ، وكل ذلك نتيجة فرحهم عند إصابته ، ثم قال بعد ذلك : (
ومن يتول ) عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي ، فإن الله غني عنه .
القول الثاني : أن قوله : (
الذين يبخلون ) كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله ، وهو في صفة الذين كتموا صفة
محمد صلى الله عليه وسلم وبخلوا ببيان نعته ، وهو مبتدأ وخبره محذوف دل عليه قوله : (
ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) وحذف الخبر كثير في القرآن كقوله : (
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [الرعد : 31] .
المسألة الثانية : قال
أبو علي الفارسي : قرأ
نافع وابن عامر : "فإن الله الغني الحميد" ، وحذفوا لفظ " هو " وكذلك هو في مصاحف أهل
المدينة والشأم ، وقرأ الباقون : (
هو الغني الحميد ) قال
أبو علي : ينبغي أن "هو" في هذه الآية فصلا لا مبتدأ ؛ لأن الفصل حذفه أسهل ، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب ، وقد يحذف فلا يخل بالمعنى كقوله : (
إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا ) [ الكهف : 39 ] .
المسألة الثالثة : قوله : (
فإن الله هو الغني الحميد ) معناه أن
الله غني ، فلا يعود ضرر عليه ببخل ذلك البخيل ، وقوله : (
الحميد ) كأنه جواب عن السؤال يذكر ههنا ، فإنه يقال : لما كان تعالى عالما بأنه يبخل بذلك المال ولا يصرفه إلى وجوه الطاعات ، فلم أعطاه ذلك المال ؟ فأجاب بأنه تعالى حميد في ذلك الإعطاء ، ومستحق للحمد حيث فتح عليه أبواب رحمته ونعمته ، فإن قصر العبد في الطاعة فإن وباله عائد إليه .